أساليب الكشف عن الموهوبين ورعايتهم الواقع وإتجاهات التطوير
د. فتحي عبد الرحمن جروان
تمهيد:
تواجه المدرسة في الدول المتطورة والدول النامية – على حد سواء- تحديات غير مسبوقة تفرضها التغيرات المتسارعة في مجالات الاتصالات والعولمة والنظام العالمي الجديد الذي بدأت معالمه تتشكل في بداية العقد الأخير من القرن الماضي. وتتعرض المدرسة لضغوطات هائلة كي تطور برامجها حتى تستجيب لإحتياجات طلبتها المستقبلية التي تتلخص في كيفية إعدادهم للتعامل مع هذه التغيرات التي تكاد تطال جميع جوانب الحياة المعاصرة، ومن جهة أخرى ينبغي أن تستجيب لمتطلبات تنمية المجتمع بمختلف أشكالها.
والحقيقة ، أننا إذا سلمنا بأن التغير ظاهرة ملازمة لحياة المجتمعات والأفراد على اختلاف الأزمنة والأمكنة، فإن الدعوة للإصلاح المدرسي والتطوير التربوي تمثل استجابة طبيعية بل وضرورية لضمان توفير متطلبات التنمية والتطور التي تُعد الموارد البشرية أهم عناصرها وأدواتها، فكيف إذا كانت التقديرات في بلادنا تشير إلى أن ثلث عدد السكان وربما أكثر على مقاعد الدراسة؟
إن الباحث المتتبع لحركات الإصلاح المدرسي والتطوير التربوي في الدول المتقدمة ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية ، يجد أن قضية الكشف عن الطلبة الموهوبين ورعايتهم، وتوجيه الإهتمام لتطوير مناهج وأساليب تدريس الرياضيات والعلوم، كانت ولا تزال تتصدر قائمة الأولويات في مشروعات الإصلاح وخطط التطوير، وربما كان ذلك مستندا إلى قناعة راسخة بأن الصراع في الحاضر والمستقبل هو في حقيقة الأمر صراع عقول تشكل العصب الرئيسي لصناعة المعرفة المعلوماتية والتقنية وإدارتها وتوظيفها. (Dept. of Education 1993)
وفي ضوء ما تقدم يمكن القول بأن أحد المحاور الرئيسية لعملية الإصلاح المدرسي في بلادنا لا بد أن يتركز حول موضوع الكشف عن الموهوبين أولا، ثم البحث في أفضل الأساليب لرعايتهم ثانياً ، وذلك في إعتقادي ضمانة لتمكين مجتمعاتنا من الانخراط مع غيرها من المجتمعات المتقدمة دون أن تذوب فيها وتفقد هويتها الثقافية والحضارية، وحتى لا تبقى أمتنا "نكتة بين الأمم" كما وصفها مسؤول كبير في دولة الإمارات العربية المتحدة.
مفهوم الموهبة والتفوق.
إذا استعرضنا التطور التاريخي لمفهوم الموهبة والتفوق (جروان، 2004) ، لوجدنا أنه يمكن التمييز بين أربع مراحل متداخلة- إلى حد ما - ولا تزال تلقي بظلالها بصورة أو بأخرى على الاتجاهات السائدة في الدوائر الأكاديمية والمؤسسات التربوية التي تقدم خدمات للطلبة الموهوبين في دول مختلفة ، وتضم هذه المراحل ما يلي:
· مرحلة ارتباط الموهبة والتفوق بالعبقرية كقوة خارقة خارج حدود سيطرة الإنسان؛
· مرحلة ارتباط الموهبة والتفوق بالأداء المتميز في ميدان من الميادين التي يقدرها المجتمع في الحضارات المختلفة كالفروسية والشعر والخطابة؛
· مرحلة ارتباط الموهبة والتفوق والعبقرية بنسبة الذكاء المرتفعة كما تقيسها اختبارات الذكاء الفردية، وقد بدأت هذه المرحلة عمليا مع ظهور اختبار ستانفورد بينيه في العقد الثاني من القرن الماضي.
· مرحلة اتساع مفهوم الموهبة والتفوق ليشمل الأداء العقلي المتميز ، والاستعداد أوالقدرة على الاداء المتميز في المجالات العقلية والأكاديمية والفنية والابداعية والقيادية. وقد تبلور هذا الاتجاه خلال الثلث الأخير من القرن الماضي مع ظهور أول تعريف معتمد من وزارة التربية الأمريكية عام 1972(Clark, 1992) وينص على ما يأتي:
"الأطفال الموهوبون والمتفوقون هم أولئك الأطفال الذين يقدمون دليلاً على اقتدارهم على الأداء المرتفع في مجالات القدرة العقلية العامة والتفكير الإبداعي، والقدرة القيادية، والاستعداد الأكاديمي الخاص والفنون البصرية والأدائية، ويحتاجون خدمات وأنشطة لا تقدمها المدرسة عادة، وذلك من أجل التطوير الكامل لمثل هذه الاستعدادت أو القابليات (جروان،2004، ص.55).
وبالرغم من أن هذا التعريف حدد خمسة مجالات للموهبة والتفوق شأنه في ذلك شأن العديد من التعريفات التربوية التي تلقى قبولاً واسعاً من الناحية النظرية، إلا إن التعريف التقليدي للموهبة والتفوق هو في واقع الأمر تعريف سيكومتري إجرائي مبني على استخدام محك الذكاء العام المرتفع كما تقيسه اختبارات الذكاء الفردية. هكذا فعل تيرمان Terman في دراسته المعروفة التي اتخذ فيها نسبة الذكاء (140) حدا فاصلا للموهبة والتفوق، وسار على نهجه عدد من الباحثين والمربين في دراسات وبرامج كثيرة مع الفارق في تحديد نقطة القطع التي وضعوها كحد فاصل بين الموهوب وغير الموهوب. (Minton & Pratt, 2006).
وعلى الرغم من التطور الهائل في أساليب البحث التجريبي ووسائله كمّا ونوعا، والانتقادات الشديدة لنظرية الذكاء والموهبة التقليدية وطريقة قياسهما، إلا أن الدراسات المسحية لواقع برامج تعليم الموهوبين والمتفوقين تشير إلى ان اختبارات الذكاء الفردية (مثل ستانفورد- بينيه ووكسلر) هي الأكثر استعمالا في الكشف عن الأطفال الموهوبين عقليا، كما تشير إلى أن الربط بين الموهبة والتفوق والذكاء لا يزال قويا وسائدا في معظم البرامج، أما في المدارس الخاصة بالموهوبين فإنهم يستخدمون اختبارات الاستعداد الاكاديمي التي تقيس القدرة على المحاكمة الرياضية واللغوية ، بالإضافة إلى معدلات التحصيل المدرسي لأسباب عملية اقتصادية تتعلق بالأعداد الكبيرة من الطلبة الذين يتقدمون لاختبارات القبول فيها (Jarwan,& Feldhusen, 1994).
إن الجدل حول طبيعة الذكاء وكيفية قياسه لم يحسم بصورة قاطعة لصالح أي من الإتجاهات النظرية بدءا بجالتون Galton الذي كان يؤمن بأن الذكاء يتحدد بالعوامل الوراثية والذي كان أول من حاول قياس الذكاء بطريقة علمية مرورا ببينيه Binet الذي تمكن مع مساعده سيمون Simon من بناء أول اختبار ذكاء ناجح للتعرف على الطلبة الذي لا يستفيدون من بقائهم في الصفوف العادية لضعف قدرتهم العقلية، وتيرمان Terman الذي طور ونشر اختبار ستانفورد- بينيه، واستخدمه في اختيار افراد دراسته من الأطفال الموهوبين ، وانتهاء بجاردنر Gardner وستيرنبرج Sternberg اللذين طورا إطار جديداً للذكاء تدعمه البحوث والدراسات التجريبية على مدى العقود الثلاثة الماضية.
لقد اتسع مفهوم الذكاء خلال العقود الثلاث الماضية بصورة غير مسبوقة، ووجدت النظريات الجديدة طريقها إلى التطبيق في المدارس، ولم يعد ممكناً أن يتجاهل العاملون في الميدان أو القائمون على مشاريع الإصلاح المدرسي هذه النظريات التي تنطوي على تضمينات مهمة في مجال الكشف عن الموهوبين ورعايتهم، وأخص بالذكر النظريات التالية:
- نظرية الذكاءات المتعددة لجاردنر
- نظرية الذكاء الناجح لستيرنبرج
- نظرية الذكاء الانفعالي / العاطفي لماير وسالوفي وجولمان
وفيما يلي نعرض بإيجاز لكل من هذه النظريات:
نظرية الذكاءات المتعددة والموهبة
قدم هاوردجاردنر من جامعة هارفرد في كتابه "أطر العقل Frames of mind" نظرية الذكاءات المتعددة (Gardner, 1983)، وذلك تتويجاً لدراسات مستفيضة أجراها في إطار المشروع الصفري Project Zero مع فريق من الباحثين والمختصين في المجالات المختلفة لعلم النفس. وقد عرف جاردنر الذكاء بأنه القدرة على حل المشكلات بطريقة جديدة او التوصل إلى ناتج جديد يكون ذا قيمة ضمن الإطار الثقافي أو الحضاري الذي يعيش فيه الفرد. وحدد في البداية سبعة أنواع مستقلة من الذكاء، هي:
الذكاء المنطقي / الرياضي Logical/ Mathematical Intelligence
هو القدرة على التفكير المنطقي (الاستدلال الاستقرائي والاستنباطي)، واستخدام الأرقام بكفاءة. وتتضمن العمليات المستخدمة فيه التصنيف، اختبار الفروض، المعالجات الحسابية، وحل المشكلات المجردة.
الذكاء اللغوي Linguistic Intelligence
هو القدرة على استخدام الكلمات –شفهياً أو كتابياً- بكفاءة. ويتضمن القدرة على معالجة الأبنية اللغوية والمعاني والصوتيات والاستخدام العملي للغة.
الذكاء المكاني Spatial Intelligence
هو القدرة على إدراك العالم البصري/المكاني بدقة، والتمثيل الجغرافي للأفكار ذات الطبيعة البصرية، وتحديد الوجهة الذاتية والحساسية للألوان والخطوط والأشكال والحيز والعلاقات بينها.
الذكاء الجسمي- الحركي Bodily- Kinesthetic Intelligence
هو القدرة على التحكم بحركات الجسم واستخدامه في التعبير عن الأفكار والمشاعر، وسهولة استخدام اليدين في تشكيل الأشياء. ويتضمن مهارات التآزر والتوازن والمرونة والسرعة في الحركة.
الذكاء الموسيقي Musical Intelligence
هو القدرة على إدراك الألحان الموسيقية وتذوقها وكتابة النوطة الموسيقية، والتعبير الموسيقي أو العزف، ويتضمن الحساسية للإيقاعات والنغمات الموسيقية.
الذكاء البينشخصي أو الاجتماعي Inter-personal Intelligence
هو القدرة على إدراك مشاعر الآخرين ودوافعهم والاستجابة المناسبة لها، ويتضمن الحساسية لتعبيرات الوجه والإيماءات والأصوات والتمييز بينها.
الذكاء الداخلي او الذاتي Intra- personal Intelligence
هو القدرة على إدراك المشاعر الذاتية وجوانب القوة والضعف الذاتية، والوعي بالحالة المزاجية والقدرة على الضبط الذاتي (حسين، 2003)
ثم أضاف في عام 1996 نوعاً آخراً هو:
الذكاء الطبيعي Naturalist Intelligence
وهو القدرة على التعرف على الحيوانات والنباتات والظواهر الطبيعية وتصنيفها، وفي كتابه الذي صدر عام 1999 بعنوان "إعادة تشكيل الذكاءات المتعددة للقرن الحادي والعشرين" أعاد تطوير نظريته وعرض نوعين آخرين مرشحين ليكونا ضمن الذكاءات المتعددة هما الذكاء الروحي Spiritual والذكاء الوجودي existential، ولا يزال العمل جارياً في مشروع الصفر لتوسيع آفاق هذه النظرية وتطبيقاتها الميدانية على مستوى المدرسة. (Gardner,1999).
إن نظرية الذكاءات المتعددة لجاردنر Gardner قد تبدو على طرفي نقيض مع المفهـوم الأحادي للموهبة أو الذكاء، إلا أنـها في حقيقـة الأمر غـير ذلك، لأنها لا تنفـي –بالضرورة- وجود أشخاص متعددي المواهب أو الذكاءات بإمكانهم أن يبدعوا أو يتفوقوا في أكثر من ميدان. إن الحالات السبعة التي عرضها جاردنر في كتابه "العقول المبدعة" Creating Minds تقدم دليلاً على وجود عدة ذكاءات، حيث عُرف كل من الشخصيات التي عرضها بإنجازات في مستوى الاختراق الإبداعي في مجال معين دون غيره، غير أن هذا الدليل لا يقطع على وجه اليقين بأن أياً من تلك الشخصيات لا تمتلك طاقة أو قدرة على الإنجاز المتميز في ميدان أو آخر غير ذلك الميدان الذي ارتبط اسمه به (Gardner,1999).
إن قبول نظرية أحادية الموهبة أو الذكاء يعني من الناحية العملية أن الطبيب المبدع مثلاً لا يمكن أن يكون شاعراً مبدعاً، أو أن السياسي البارع لا يمكن أن يكون فناناً أو أديباً متميزاً. والحقيقة أن هناك أفراداً موهوبين عرفوا بقدراتهم الهائلة في مجالات معينة، وأن غالبيتهم كانوا يتمتعون بشخصيات متكاملة إلى حد كبير. ولكنهم وصفوا بطريقة مجزأة أحياناً لأن اهتماماتهم الأساسية فقط هي التي برزت إلى السطح وشاعت في المجتمع.
إن الشواهد التاريخية حافلة بالأمثلة على هذه الشخصيات ومنها:
· الحسن بن الهيثم: اشتهر بابداعاته في مجالي الطبيعية والحساب، ولكنه برع وألف في الهندسة والجبر والفلسفة والطب واللغة والأخلاق ما يزيد عن مائتي مصنف.
· البيروتي: قدم مساهمات إبداعية في الرياضيات والفلك والجغرافيا وعلم الإنسان والمعادن والطب والهندسة والصيدلة والتنجيم، وألف مائة وثمانين كتاباً ورسالة.
· ليوناردو دافنشي: كان من أعظم الرسامين كما كان نحاتاً ومعمارياً وفيلسوفاً.
· توماس جيفرسون: كان ثالث رئيس أميركي. وضع إعلان الاستقلال، وكان محامياً وكاتباً وفناناً ومهندساً ومصمماً وسياسياً وإدارياً من الطراز الأول.
· ونستون تشرشل: كان مبدعاً كمحارب وسياسي وعالم بالتاريخ وكاتب وخطيب مفوّه، وقد منح جائزة نوبل في الآداب اعترافاً بتفوقه وإبداعه.
فهل يمكن أن نتجاهل هذه الحقائق والشواهد ونحن نواجه مشكلة الكشف عن الموهوبين في مدارسنا؟ وهل يجوز الاستمرار في التشبث باختبارات الذكاء التقليدية باعتبارها المرجعية الأولى – وربما الوحيدة- في الكشف عن الموهوبين بعد كل هذا التراث السيكولوجي الهائل الذي تراكم على مر السنين ولا سيما في مجال علم النفس المعرفي وسيكولوجية الإبداع، وهل يوجد اختبارات تتمتع بخصائص سيكومترية مقبولة لقياس الذكاءات المتعددة؟
نظرية الذكاء الناجح والموهبة
طوّر روبرت ستيرنبرج Sternberg في جامعة Yale خلال العقدين الماضيين عدة نظريات حديثة في الذكاء ذات مضامين مهمة في الكشف عن الموهوبين وتعليمهم. ففي عام 1985 عرض نظريته الثلاثية في الذكاء الإنساني (Sternberg, 1985)، وفي عام 1997 قدم صورة مطورة عن هذه النظرة سماها نظرية الذكاء الناجح (Sternberg, 1997). وعرف الذكاء الناجح بأنه القدرة على تحقيق النجاح في الحياة العملية طبقاً لمفهوم الفرد نفسه وتعريفه للنجاح في محيطه الاجتماعي الثقافي، وذلك عن طريق توظيف عناصر القوة لديه والتعويض عن عناصر ضعفه، من أجل التكيف مع محيطه بتشكيله أو تعديله أو تغييره بتآزر وحشد قدراته التحليلية والإبداعية والعملية.
واستناداً لنظرية ستيرنبرج فإن الذكاء الناجح يتألف من ثلاثة مكونات أو يتضمن ثلاثة أنواع من الذكاء، هي:
الذكاء التحليلي Analytical Intelligence
هو القدرة على التحليل وإصدار الأحكام والنقد والمقارنة والتقييم.
الذكاء الإبداعي Creative Intelligence
هو القدرة على الابتكار والاكتشاف والتخيل ووضع الافتراضات
الذكاء العملي Practical Intelligence
هو القدرة على حل المشكلات الحياتية غير المحددة جيداً خارج المدرسة التي يمكن أن يكون لها عدة حلول وعدة طرق للوصول لهذه الحلول.
وفي ضوء ذلك يصنف ستيرنبرج الموهبة والموهوبين في أربع فئات هي:
الموهوب تحليلياً Analytical Intelligence
هو من تتجلى موهبته في قدرته على التحليل والنقد والمقارنة والتفسير والتقويم وإصدار الأحكام. والموهوب من هذه الفئة عادة ما يكون أداؤه في الواجبات المدرسية متميزاً وكذلك في اختبارات الذكاء التقليدية.
الموهوب إبداعياً Creatively Gifted
هو من تتجلى موهبته في الاكتشاف والابتكار والتخيل وتوليد الأفكار ووضع الفرضيات. والموهوب من هذه الفئة لا تكشف عنه اختبارات الذكاء، ويحتاج إلى مهمات أو اختبارات تتطلب توليد أفكار جديدة وأصيلة مثل كتابة القصص القصيرة والرسومات وحل مشكلات رياضية غير مألوفة.
الموهوب عملياً Practically Gifted
هو من تظهر موهبته في المهمات العملية التي تتطلب تطبيق وتوظيف المعلومات التي تم تعلمها في الحياة العملية، وكذلك استخدام وتنفيذ المعرفة الضمنية التي لا تدرس بصورة مباشرة في المدرسة. والموهوب من هذه الفئة يعرف ما الذي يحتاجه للنجاح في بيئته، ويكشف عن ذكائه في أوضاع ومواقف ذات محتوى محدد
الموهوب المتوازن Balanced Gifted.
هو من يتمتع بمستويات جيدة من القدرات التحليلية والإبداعية والعملية، ويعرف متى يستخدم أياً منها.
ويقترح ستيرنبرج ثلاثة أنواع من العمليات المترابطة التي تشكل الأساس لجميع مظاهر الذكاء أو الوظائف العقلية، وهي:
· المكونات الأسمى Metacomponents
هي العمليات العقلية العليا غير المرتبة التي تستخدم في وضع خطة العمل والمراقبة أثناء التنفيذ، والتقييم واتخاذ القرار بعد إتمام العمل، وهي ثلاثة أنواع:
- عمليات إدارة الذات
- عمليات إدارة المهمات أو المشكلات
- عمليات إدارة الآخرين
· المكونات الأدائية Performance Components
هي عمليات تنفيذ تعليمات أو توجيهات المكونات الضمنية كإجراء المقارنات والاستدلالات وتبرير الاستجابات.
· مكونات اكتساب المعرفة Knowledge Acquisition Components
هي العمليات المستخدمة في التعلم والحصول على المعرفة كالترميز الاختياري (بمعنى اختيار ما له صلة وما ليس له صلة بالموضوع)، والمقارنة الاختيارية (بمعنى ربط المعلومات الجديدة بالقديمة)، والدمج الاختياري (بمعنى تجميع المعلومات المتناثرة وربطها معاً للوصول إلى نتيجة). ويرى ستيرنبرج أن هذه المكونات الثلاث تتفاعل فيما بينها بصورة دينامية اعتماداً على متطلبات الموقف أو المشكلة ونوع عمليات التفكير اللازمة للتعامل معها.(Sternberg, 1986)
ويدافع ستيرنبرج عن نظريته وتطبيقاتها العملية من حيث صلاحيتها للاستخدام في الكشف عن الموهوبين من ناحية وتصميم برامج التعليم وأساليب التقويم المناسبة لهم من ناحية أخرى. كما أنه يشير إلى أن اختبارات الذكاء التقليدية والاختبارات المدرسية وكذلك المناهج الدراسية تتمحور في الأساس حول الذكاء التحليلي، وهي ليست مرتبطة بخبرات الفرد الحياتية، كما أنها ليست مرتبطة بالخبرات الإبداعية، وبالتالي فإن اختبارات الذكاء المعروفة مرتبطة إلى حد كبير بالخبرات المدرسية ذات الطابع الأكاديمي، وليست صالحة لقياس الذكاء العملي والذكاء الإبداعي اللذين يعتبران في غاية الأهمية للنجاح في الحياة العملية. حيث إن الكفاية في التعامل مع مواقف الحياة الواقعية يعتمد على المعرفة الضمنية ذات الطابع العملي وليس الأكاديمي والتي لا يتم تعليمها بصورة مباشرة أو منتظمة.
ويستعرض ستيرنبرج وجريجبرنكو (Sternberg, & Grigerenko 2002) العلاقة بين نموذج تعليم الموهوبين المستند إلى نظرية الذكاء الناجح والنماذج الأخرى المعروفة مثل نموذج رنزولي Renzulli، ونموذج جاردنر Gardner في الذكاءات المتعددة، ونموذج جانييه Gagn'e الذي يميز بين الموهبة والتفوق، والنموذج السائد المستند إلى نظرية العامل العام للذكاء، ويخلصان إلى استنتاج مفاده أنه لا يوجد تناقض بين نظرية الذكاء الناجح والنموذج المستند إليها في الكشف عن الموهوبين وتعليمهم، وبين النظريات والنماذج الأخرى، وان نظرية الذكاء الناجح قد تسد نقصاً في بعض هذه النماذج وربما تتكامل معها.
وإذا قبلنا تضمينات نظرية الذكاء الناجح ونحن نتحدث عن الإصلاح المدرسي، فهل يجوز أن تبقى الخبرات التي تقدمها المدرسة لطلبتها والاختبارات التي تستخدمها مقصورة على جانب واحد للذكاء هو الذكاء التحليلي؟
وإذا كانت عملية الكشف عن الطلبة الموهوبين ورعايتهم تمثل احد جوانب خطة الإصلاح المدرسي، فهل يجوز أن نستمر في استخدام أدوات واختبارات مصممة أصلاً لقياس الذكاء التحليلي فقط؟
وهل يمكن توفير اختبارات تتمتع بخصائص سيكومترية جيدة لاستخدامها في الكشف عن المكونات الثلاثة للذكاء الناجح (التحليلي والابداعي والعملي) حسب نظرية الذكاء الناجح؟
نظرية الذكاء الانفعالي والموهبة
ظهر تعبير "الذكاء الانفعالي" لأول مرة في عنوان أطروحة دكتوراه غير منشورة في مدينة سنسناتي Cincinnati بولاية أوهايو الأمريكية عام 1985 (Payne,1985). وفي عام 1990 نشرت ورقة علمية مطولة بعنوان "الذكاء الانفعالي" للباحثين ماير وسالوفي في مجلة دورية معروفة (Mayer, & Salovey,1990)، واستمر الباحثان في نشر مقالات حول "الذكاء الانفعالي"، وطورا اختبارين لقياسه، غير أن كتاباتهما ظلت محصورة في الدوائر الأكاديمية. وفي عام 1995 نشر الباحث دانيال جولمان كتابه الأول بعنوان "الذكاء الانفعالي: لماذا يمكن أن يهم أكثر من نسبة الذكاء؟ (Goleman, 1995)، وأحدث بذلك نوعاً من الثورة الثقافية في عالم التربية والأعمال حيث انتشر مفهوم الذكاء الانفعالي وثقافته على نطاق واسع خارج الدوائر الأكاديمية. وخلال العشر سنوات الماضية أصبح موضوع "الذكاء الانفعالي" من الموضوعات التي تستقطب اهتمام الباحثين والتربويين ورجال الإدارة العليا، كما أصبح محوراً للعديد من البحوث والدراسات النظرية والتجريبية التي كثيراً ما وجدت طريقها للتطبيق في المدارس ومراكز تدريب القيادات الإدارية .(Goleman,1998) إنّ جذور مفهوم الذكاء الانفعالي كأحد مكونات العقل أو النشاطات العقلية يعود إلى القرن الثامن عشر عندما قسم العلماء العقل إلى ثلاثة أقسام متباينة أوردها رزق (2003، ص 69) على النحو التالي:
· المعرفة وتشمل الوظائف العقلية والعمليات المعرفية كالذاكرة والتفكير وحل المشكلات واتخاذ القرارات.
· العاطفة وتشمل الانفعالات والمشاعر والأمزجة.
· الدافعية وتشمل الدوافع الفطرية والدوافع المكتسبة
وفي العشرينيات من القرن الماضي قدم ثورندايك Thorndike مفهوم الذكاء الاجتماعي وعرفه بأنه القدرة على فهم وإدارة الآخرين ليتصرفوا بحكمة في العلاقات الاجتماعية، وافترض وكسلر Wechsler أن العوامل غير العقلية ضرورية للتنبؤ بقدرة الفرد على النجاح في الحياة، وتشمل هذه العوامل الجوانب الانفعالية والشخصية والاجتماعية، وتسهم مع القدرة العقلية في تحديد السلوك الذكي. وبناء عليه فإنه من غير الممكن قياس الذكاء الكلي للفرد دون أن تتضمن اختبارات الذكاء بعض الفقرات لقياس العوامل غير العقلية (Cherness,2000). وفي بداية الثمانينات جدد جاردنر Gardner سبعة أنواع منفصلة للذكاء كان من بينها الذكاء البينشخصي أو الاجتماعي والذكاء الذاتي أو الداخلي وكلاهما مرتبط بمفهوم الذكاء الانفعالي.
مفهوم الذكاء الانفعالي
صنف الباحثان عثمان ورزق (2001) تعريفات الذكاء الانفعالي ضمن فئتين:
· التعريفات التي ترى أن الذكاء الانفعالي هو قدرة على فهم الانفعالات الذاتية والتحكم فيها وتنظيمها وفهم انفعالات الآخرين والتعامل معهم في المواقف الحياتية وفق ذلك.
· التعريفات التي ترى أن الذكاء العاطفي عبارة عن مجموعة من المهارات الانفعالية والاجتماعية كالوعي الذاتي والتحكم بالانفعالات والمثابرة والحماس والدافعية الذاتية والتقمص العاطفي واللباقة الاجتماعية التي يتمتع بها الفرد ويحتاجها للنجاح في الحياة والعمل.
ثم توصلا بعد مراجعة مستفيضة لما كتب حول هذا الموضوع إلى أن الذكاء الانفعالي خاصية مركبة من خمسة مكونات أساسية، هي:
· المعرفة الانفعالية
· إدارة الانفعالات
· تنظيم الانفعالات
· التعاطف
· التواصل
وعرف مايروسالوفي الذكاء الانفعالي (Mayer, & Salovey, 1985) بأنه القدرة على فهم الانفعالات الذاتية وانفعالات الآخرين، والتمييز بينها واستخدام الانفعالات لتوجيه التفكير والسلوك، وتضم أربعة مكونات، هي:
· القدرة على إدراك الانفعالات بدقة بعد تقييمها والتعبير عنها؛
· القدرة على توليد الانفعالات والوصول إليها لتسهيل عملية التفكير؛
· القدرة على فهم الانفعالات والمعرفة الانفعالية،
· القدرة على تنظيم الانفعالات لتسهيل النمو العقلي والانفعالي
أما جولمان (Goleman, 1995) فقد عرف الذكاء الانفعالي بأنه مجموعة من المهارات والكفايات التي تمكن الفرد من التعرف على مشاعره ومشاعر الآخرين، وعلى تحفيز ذاته وإدارة انفعالاته وعلاقاته مع الآخرين بشكل فعال، وتشمل هذه الكفايات والمهارات خمسة مجالات هي: الوعي بالذات، وإدارة الانفعالات، وحفز الذات، والتعاطف، والتعامل مع الآخرين أو المهارات الاجتماعية.
وفي عام 1998 نشر جولمان كتابه "العمل مع الذكاء الانفعالي" وعرض فيه إطاراً عاماً معدلاً لنظريته يتضمن أربعة أبعاد تتألف من عشرين كفاية فرعية هي:
· الوعي الذاتي ويضم الوعي الانفعالي الذاتي والتقييم الذاتي الدقيق والثقة بالنفس
· إدارة الذات وتضم الضبط الذاتي والجدارة بالثقة والوعي والتكيف والمبادرة والدافعية للتحصيل.
· الوعي الاجتماعي ويضم التعاطف وتكييف الخدمة والوعي المؤسسي.
· إدارة العلاقات وتضم التأثير والاتصال وإدارة الصراع والقيادية وبناء الروابط وتغيير المحفزات والعمل الجماعي والتعاون وتطوير الآخرين.
ويرى جولمان أن المدرسة هي المسؤولة عن تحقيق الكفاءة الانفعالية لدى المتعلمين من خلال بناء وتحسين مهارات الذكاء الانفعالي بدءاً من مرحلة الروضة، وقد بدأت المدارس في كثير من الدول الغربية منذ أكثر من عشر سنوات تدريس هذه المهارات في إطار ما سُمي بحركة "التعلم الاجتماعي الانفعالي".
إن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق يتعلق بكيفية الاستفادة من نظرية الذكاء الانفعالي وتطبيقاتها العملية في مجال الكشف عن الطلبة الموهوبين والمتفوقين، ولا سيما أن هناك عدة مقاييس للذكاء الانفعالي تتمتع بدرجة جيدة من الخصائص السيكومترية. وإذا كانت "القيادية" من الفئات المعتمدة والمقبولة عالمياً كإحدى فئات الموهوبين والمتفوقين، وكان الذكاء الانفعالي ببعديه الذاتي والاجتماعي من المتطلبات الحيوية للقيادية، فلماذا لا يؤخذ الذكاء الانفعالي بالاعتبار من قبل القائمين على برامج تعليم الموهوبين والمتفوقين؟
التطلعات المستقبلية
في ضوء ما تقدم يمكن القول بأنه لا يوجد في متناول اليد إجابات وافية ومقنعة لكل التساؤلات التي أثيرت حول قصور الأساليب السائدة المستخدمة في الكشف عن الطلبة الموهوبين والمتفوقين في مختلف المراحل الدراسية. غير أنه يمكن الجزم بأن الاتجاهات الحديثة في نظرية الذكاء والموهبة تحمل مضامين نظرية وتطبيقيه ذات أبعاد في غاية الأهمية في مجالات التقييم والتشخيص لذوي الحاجات الخاصة، والمناهج وأساليب التدريس سواء بالنسبة للطلبة العاديين أو الموهوبين أو ذوي صعوبات التعلم، وغيرهم من فئات التربية الخاصة. ولا شك أن القائمين على عمليات الإصلاح المدرسي والتربوي معنيون بمراجعة الممارسات الراهنة والإفادة من الاتجاهات الحديثة في علم نفس الموهبة والتفوق. وفي هذا الإطار فإنني أقترح تشكيل فرق عمل وطنية من المختصين والمسؤولين في الجامعات ووزارات التربية والتعليم العالي لوضع خطة عمل متكاملة تعالج جميع الجوانب المتعلقة بالكشف عن الموهوبين والمتفوقين في جميع المراحل الدراسية، وتحدد الأساليب المناسبة لرعايتهم. وربما كان من المناسب أن يتولى مكتب التربية العربي لدول الخليج عملية تنسيق الجهود في دول مجلس التعاون الخليجي من أجل حشد أفضل الخبرات المتوافرة في هذا المجال، وتوحيد المعايير وإنجاز المشروع بأقل قدر من التكاليف والوقت. كما أن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم يمكن أن تقوم بنفس المهمة في المناطق العربية الأخرى.
أما أهم عناصر خطة العمل المطلوبة على المستوى الوطني أو الإقليمي، فهي:
أولاً: تطوير المقاييس والاختبارات المناسبة
نظراً لأن نظام الكشف عن الطلبة الموهوبين والمتفوقين هو المدخل الأساسي لأي مشروع لرعاية الموهوبين والمتفوقين، ولأن اختبارات الكشف وأدواته غير الاختبارية تمثل أهم مكونات نظام الكشف، فإن خطة العمل يجب أن تتضمن معالجة وافية لقضية تطوير اختبارات فردية وجمعية لقياس القدرات العقلية والاستعدادات الأكاديمية وفق الاتجاهات الحديثة في نظرية الذكاء، على أن يتم تقنينها لتكون صالحة للتطبيق في جميع دول الخليج وغيرها من الدول العربية، بالإضافة إلى تطوير قوائم تقدير الخصائص الشخصية والدافعية والإبداع التي تُعد محكاً مهماً في التعرف على الموهوبين والمتفوقين خاصة لدى أطفال ما قبل المدرسة والمرحلة الابتدائية، ولا سيما في مجالات الموهبة والتفوق غير الأكاديمية.
إن الحاجة ماسة لوضع حد للجهود المبعثرة والإنفاق غير المبرر، حتى في البلد الواحد، على تطوير اختبارات غريبة المنشأ لقياس القدرات والاستعدادات، علماً بأن الكفاءات المتوافرة لدينا ربما تفوق في مستواها الكفاءات الأجنبية. وتجدر الإشارة بهذا الصدد إلى تجربة المركز الوطني للقياس والتقويم في التعليم العالي بالسعودية فيما يتعلق بتطوير اختبارات القدرات أو الاستعدادات الأكاديمية.
ثانياً: التجسير بين المدرسة والجامعة:
ورد في التقرير التلخيصي لمشروع "مستقبل التعليم في الوطن العربي" الذي نشره منتدى التفكر العربي عام 1991، إشارة إلى ضرورة إدخال هيكلية جديدة لتعليم المستقبل تقوم على أساس مفهوم "الشجرة التعليمية" بدلاً من مفهوم "السلم التعليمي" ، وكلاهما بطبيعة الحال له بداية محددة، ولكن المفهوم الجديد ليس محكوماً بتسلسل محدد ونهاية محددة، بل ينطوي على مرونة وتنوع في تسلسله ويسمح للجميع بأن يتسلقوا أياً من الفروع حسب قدراتهم واختياراتهم، وفي مجال إصلاح التعليم العالي يقترح إنشاء "مراكز للتميز" الرفيع يمكن التمهيد لاختيار طلبتها من المدارس الثانوية أو المرحلة العمرية ما بين 15 و 18 سنة (إبراهيم، 1991).
إن توصية منتدى الفكر العربي بإنشاء مراكز للتميز في الجامعات تتم تغذيتها بالطلبة الموهوبين والمتفوقين من خلال الاتصال بالمدارس في مرحلة مبكرة لا تزال صالحة للتطبيق في إطار الخطة الوطنية المقترحة.
لكن الواقع يشير إلى أن المدرسة منعزلة عن الجامعة، والجامعة منعزلة عنها وعن المجتمع، والفجوة بينهما في اتساع مستمر، ونظراً للدور الإيجابي الذي يمكن أن تلعبه الجامعة في رعاية الموهوبين والمتفوقين، فلا بد لأي خطة وطنية لإصلاح التعليم ورعاية الموهوبين أن تتضمن معالجة لدور الجامعات في هذا المجال، وتحدد الآليات المناسبة لتجسير الفجوة بين الجامعة والمدرسة، والتي يمكن أن تأخذ أشكالاً عديدة أثبتت فعاليتها في دول كثيرة، وهي مطبقة منذ عقود، ومن بين هذه الأشكال:
· القبول المبكر في الجامعة
· القبول المتزامن في المدرسة والجامعة
· البرامج الصيفية والبرامج الموجهة للمناطق المحرومة/ البعيدة
· برامج الإرشاد الجامعي والمقررات المتقدمة
· تدريب المعلمين وتأهيلهم في مجالي الكشف عن الموهوبين ورعايتهم.
ثالثاً: برنامج البحث عن الموهبةTalent Search
يستهدف هذا البرنامج اكتشاف الطلبة الموهوبين والنابغين في مجالات أكاديمية محددة كالرياضيات والفيزياء وتكنولوجيا المعلومات على وجه الخصوص، لأننا أحوج ما نكون للتميز في هذه المجالات الحيوية، ولأن عائد الاستثمار فيها يسهم بصورة فعالة في التنمية الاجتماعية. وقد تبنت دول كثيرة هذا النهج في الكشف عن أبنائها من الموهوبين والنابغين مثل كوريا وسنغافورة، وماليزيا وأستراليا، وذلك على غرار برنامج الكشف عن الموهوبين النابغين الذي بدأه جوليان ستانلي Stanley في جامعة جونز هوبكنز الأمريكية خلال السبعينات من القرن الماضي، وأصبح نموذجاً واسع الانتشار في أنحاء مختلفة من الولايات المتحدة الأمريكية.
لقد كان من بين النتائج التي ترتبت على هذا البرنامج تفعيل دور الجامعات في تطوير برامج أكاديمية للطلبة الموهوبين والنابغين قبل تخرجهم من المدرسة الثانوية، وتكييف وقت هذه البرامج لتتناسب مع ظروف واحتياجات هؤلاء الطلبة، وذلك بالتعاون مع مدارسهم، وقبول بعضهم في الجامعات خلال المرحلة العمرية ما بين 13-18 سنة إما بصورة كلية ودوام كامل، وإما بصورة جزئية لدراسة بعض المواد التي أظهروا نبوغاً فيها مع بقائهم في مدارسهم لاستكمال متطلبات تخرجهم.
كما ساهم برنامج البحث عن الموهبة في زيادة الوعي المجتمعي باحتياجات الطلبة الموهوبين ومشكلاتهم في المجالات المعرفية والانفعالية والاجتماعية، وتقوية الروابط المهنية بين الجامعات والمدارس الثانوية، وإطلاق العديد من المبادرات التربوية الموجهة لخدمة هؤلاء الطلبة، ومساعدة أولياء أمورهم وتدريب الكوادر التعليمية والإرشادية العاملة معهم، بالإضافة إلى إجراء البحوث العلمية والدراسات الميدانية بهدف تطوير جميع الجوانب المتعلقة بهذا البرنامج. ويمكن أن ينفذ هذا البرنامج عن طريق الأولمبيادات أو المسابقات الدورية أو عن طريق تطوير برنامج اختبارات استعداد أكاديمي على غرار اختبارات الاستعداد الدراسي Scholastic Aptitude Test (SAT)، الأمريكية وفتح المجال للطلبة الراغبين من مستوى الصف الثامن فما فوق أن يتقدموا لها علي أن تتولى إحدى الإدارات المختصة في وزارة التربية والتعليم إدارة هذا البرنامج والإشراف عليه.
وأخيراً لا بد من القول إننا إذا كنا نفكر حقيقة في الإصلاح المدرسي وتعليم المستقبل، فلا مناص من الإسراع في اتخاذ قرارات جريئة تتعلق بأهم مكونات ثروتنا البشرية من الأطفال والشباب الموهوبين والمتفوقين الذي يشكلون أفضل ضمانة لمستقبل واعد.
تواجه المدرسة في الدول المتطورة والدول النامية – على حد سواء- تحديات غير مسبوقة تفرضها التغيرات المتسارعة في مجالات الاتصالات والعولمة والنظام العالمي الجديد الذي بدأت معالمه تتشكل في بداية العقد الأخير من القرن الماضي. وتتعرض المدرسة لضغوطات هائلة كي تطور برامجها حتى تستجيب لإحتياجات طلبتها المستقبلية التي تتلخص في كيفية إعدادهم للتعامل مع هذه التغيرات التي تكاد تطال جميع جوانب الحياة المعاصرة، ومن جهة أخرى ينبغي أن تستجيب لمتطلبات تنمية المجتمع بمختلف أشكالها.
والحقيقة ، أننا إذا سلمنا بأن التغير ظاهرة ملازمة لحياة المجتمعات والأفراد على اختلاف الأزمنة والأمكنة، فإن الدعوة للإصلاح المدرسي والتطوير التربوي تمثل استجابة طبيعية بل وضرورية لضمان توفير متطلبات التنمية والتطور التي تُعد الموارد البشرية أهم عناصرها وأدواتها، فكيف إذا كانت التقديرات في بلادنا تشير إلى أن ثلث عدد السكان وربما أكثر على مقاعد الدراسة؟
إن الباحث المتتبع لحركات الإصلاح المدرسي والتطوير التربوي في الدول المتقدمة ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية ، يجد أن قضية الكشف عن الطلبة الموهوبين ورعايتهم، وتوجيه الإهتمام لتطوير مناهج وأساليب تدريس الرياضيات والعلوم، كانت ولا تزال تتصدر قائمة الأولويات في مشروعات الإصلاح وخطط التطوير، وربما كان ذلك مستندا إلى قناعة راسخة بأن الصراع في الحاضر والمستقبل هو في حقيقة الأمر صراع عقول تشكل العصب الرئيسي لصناعة المعرفة المعلوماتية والتقنية وإدارتها وتوظيفها. (Dept. of Education 1993)
وفي ضوء ما تقدم يمكن القول بأن أحد المحاور الرئيسية لعملية الإصلاح المدرسي في بلادنا لا بد أن يتركز حول موضوع الكشف عن الموهوبين أولا، ثم البحث في أفضل الأساليب لرعايتهم ثانياً ، وذلك في إعتقادي ضمانة لتمكين مجتمعاتنا من الانخراط مع غيرها من المجتمعات المتقدمة دون أن تذوب فيها وتفقد هويتها الثقافية والحضارية، وحتى لا تبقى أمتنا "نكتة بين الأمم" كما وصفها مسؤول كبير في دولة الإمارات العربية المتحدة.
مفهوم الموهبة والتفوق.
إذا استعرضنا التطور التاريخي لمفهوم الموهبة والتفوق (جروان، 2004) ، لوجدنا أنه يمكن التمييز بين أربع مراحل متداخلة- إلى حد ما - ولا تزال تلقي بظلالها بصورة أو بأخرى على الاتجاهات السائدة في الدوائر الأكاديمية والمؤسسات التربوية التي تقدم خدمات للطلبة الموهوبين في دول مختلفة ، وتضم هذه المراحل ما يلي:
· مرحلة ارتباط الموهبة والتفوق بالعبقرية كقوة خارقة خارج حدود سيطرة الإنسان؛
· مرحلة ارتباط الموهبة والتفوق بالأداء المتميز في ميدان من الميادين التي يقدرها المجتمع في الحضارات المختلفة كالفروسية والشعر والخطابة؛
· مرحلة ارتباط الموهبة والتفوق والعبقرية بنسبة الذكاء المرتفعة كما تقيسها اختبارات الذكاء الفردية، وقد بدأت هذه المرحلة عمليا مع ظهور اختبار ستانفورد بينيه في العقد الثاني من القرن الماضي.
· مرحلة اتساع مفهوم الموهبة والتفوق ليشمل الأداء العقلي المتميز ، والاستعداد أوالقدرة على الاداء المتميز في المجالات العقلية والأكاديمية والفنية والابداعية والقيادية. وقد تبلور هذا الاتجاه خلال الثلث الأخير من القرن الماضي مع ظهور أول تعريف معتمد من وزارة التربية الأمريكية عام 1972(Clark, 1992) وينص على ما يأتي:
"الأطفال الموهوبون والمتفوقون هم أولئك الأطفال الذين يقدمون دليلاً على اقتدارهم على الأداء المرتفع في مجالات القدرة العقلية العامة والتفكير الإبداعي، والقدرة القيادية، والاستعداد الأكاديمي الخاص والفنون البصرية والأدائية، ويحتاجون خدمات وأنشطة لا تقدمها المدرسة عادة، وذلك من أجل التطوير الكامل لمثل هذه الاستعدادت أو القابليات (جروان،2004، ص.55).
وبالرغم من أن هذا التعريف حدد خمسة مجالات للموهبة والتفوق شأنه في ذلك شأن العديد من التعريفات التربوية التي تلقى قبولاً واسعاً من الناحية النظرية، إلا إن التعريف التقليدي للموهبة والتفوق هو في واقع الأمر تعريف سيكومتري إجرائي مبني على استخدام محك الذكاء العام المرتفع كما تقيسه اختبارات الذكاء الفردية. هكذا فعل تيرمان Terman في دراسته المعروفة التي اتخذ فيها نسبة الذكاء (140) حدا فاصلا للموهبة والتفوق، وسار على نهجه عدد من الباحثين والمربين في دراسات وبرامج كثيرة مع الفارق في تحديد نقطة القطع التي وضعوها كحد فاصل بين الموهوب وغير الموهوب. (Minton & Pratt, 2006).
وعلى الرغم من التطور الهائل في أساليب البحث التجريبي ووسائله كمّا ونوعا، والانتقادات الشديدة لنظرية الذكاء والموهبة التقليدية وطريقة قياسهما، إلا أن الدراسات المسحية لواقع برامج تعليم الموهوبين والمتفوقين تشير إلى ان اختبارات الذكاء الفردية (مثل ستانفورد- بينيه ووكسلر) هي الأكثر استعمالا في الكشف عن الأطفال الموهوبين عقليا، كما تشير إلى أن الربط بين الموهبة والتفوق والذكاء لا يزال قويا وسائدا في معظم البرامج، أما في المدارس الخاصة بالموهوبين فإنهم يستخدمون اختبارات الاستعداد الاكاديمي التي تقيس القدرة على المحاكمة الرياضية واللغوية ، بالإضافة إلى معدلات التحصيل المدرسي لأسباب عملية اقتصادية تتعلق بالأعداد الكبيرة من الطلبة الذين يتقدمون لاختبارات القبول فيها (Jarwan,& Feldhusen, 1994).
إن الجدل حول طبيعة الذكاء وكيفية قياسه لم يحسم بصورة قاطعة لصالح أي من الإتجاهات النظرية بدءا بجالتون Galton الذي كان يؤمن بأن الذكاء يتحدد بالعوامل الوراثية والذي كان أول من حاول قياس الذكاء بطريقة علمية مرورا ببينيه Binet الذي تمكن مع مساعده سيمون Simon من بناء أول اختبار ذكاء ناجح للتعرف على الطلبة الذي لا يستفيدون من بقائهم في الصفوف العادية لضعف قدرتهم العقلية، وتيرمان Terman الذي طور ونشر اختبار ستانفورد- بينيه، واستخدمه في اختيار افراد دراسته من الأطفال الموهوبين ، وانتهاء بجاردنر Gardner وستيرنبرج Sternberg اللذين طورا إطار جديداً للذكاء تدعمه البحوث والدراسات التجريبية على مدى العقود الثلاثة الماضية.
لقد اتسع مفهوم الذكاء خلال العقود الثلاث الماضية بصورة غير مسبوقة، ووجدت النظريات الجديدة طريقها إلى التطبيق في المدارس، ولم يعد ممكناً أن يتجاهل العاملون في الميدان أو القائمون على مشاريع الإصلاح المدرسي هذه النظريات التي تنطوي على تضمينات مهمة في مجال الكشف عن الموهوبين ورعايتهم، وأخص بالذكر النظريات التالية:
- نظرية الذكاءات المتعددة لجاردنر
- نظرية الذكاء الناجح لستيرنبرج
- نظرية الذكاء الانفعالي / العاطفي لماير وسالوفي وجولمان
وفيما يلي نعرض بإيجاز لكل من هذه النظريات:
نظرية الذكاءات المتعددة والموهبة
قدم هاوردجاردنر من جامعة هارفرد في كتابه "أطر العقل Frames of mind" نظرية الذكاءات المتعددة (Gardner, 1983)، وذلك تتويجاً لدراسات مستفيضة أجراها في إطار المشروع الصفري Project Zero مع فريق من الباحثين والمختصين في المجالات المختلفة لعلم النفس. وقد عرف جاردنر الذكاء بأنه القدرة على حل المشكلات بطريقة جديدة او التوصل إلى ناتج جديد يكون ذا قيمة ضمن الإطار الثقافي أو الحضاري الذي يعيش فيه الفرد. وحدد في البداية سبعة أنواع مستقلة من الذكاء، هي:
الذكاء المنطقي / الرياضي Logical/ Mathematical Intelligence
هو القدرة على التفكير المنطقي (الاستدلال الاستقرائي والاستنباطي)، واستخدام الأرقام بكفاءة. وتتضمن العمليات المستخدمة فيه التصنيف، اختبار الفروض، المعالجات الحسابية، وحل المشكلات المجردة.
الذكاء اللغوي Linguistic Intelligence
هو القدرة على استخدام الكلمات –شفهياً أو كتابياً- بكفاءة. ويتضمن القدرة على معالجة الأبنية اللغوية والمعاني والصوتيات والاستخدام العملي للغة.
الذكاء المكاني Spatial Intelligence
هو القدرة على إدراك العالم البصري/المكاني بدقة، والتمثيل الجغرافي للأفكار ذات الطبيعة البصرية، وتحديد الوجهة الذاتية والحساسية للألوان والخطوط والأشكال والحيز والعلاقات بينها.
الذكاء الجسمي- الحركي Bodily- Kinesthetic Intelligence
هو القدرة على التحكم بحركات الجسم واستخدامه في التعبير عن الأفكار والمشاعر، وسهولة استخدام اليدين في تشكيل الأشياء. ويتضمن مهارات التآزر والتوازن والمرونة والسرعة في الحركة.
الذكاء الموسيقي Musical Intelligence
هو القدرة على إدراك الألحان الموسيقية وتذوقها وكتابة النوطة الموسيقية، والتعبير الموسيقي أو العزف، ويتضمن الحساسية للإيقاعات والنغمات الموسيقية.
الذكاء البينشخصي أو الاجتماعي Inter-personal Intelligence
هو القدرة على إدراك مشاعر الآخرين ودوافعهم والاستجابة المناسبة لها، ويتضمن الحساسية لتعبيرات الوجه والإيماءات والأصوات والتمييز بينها.
الذكاء الداخلي او الذاتي Intra- personal Intelligence
هو القدرة على إدراك المشاعر الذاتية وجوانب القوة والضعف الذاتية، والوعي بالحالة المزاجية والقدرة على الضبط الذاتي (حسين، 2003)
ثم أضاف في عام 1996 نوعاً آخراً هو:
الذكاء الطبيعي Naturalist Intelligence
وهو القدرة على التعرف على الحيوانات والنباتات والظواهر الطبيعية وتصنيفها، وفي كتابه الذي صدر عام 1999 بعنوان "إعادة تشكيل الذكاءات المتعددة للقرن الحادي والعشرين" أعاد تطوير نظريته وعرض نوعين آخرين مرشحين ليكونا ضمن الذكاءات المتعددة هما الذكاء الروحي Spiritual والذكاء الوجودي existential، ولا يزال العمل جارياً في مشروع الصفر لتوسيع آفاق هذه النظرية وتطبيقاتها الميدانية على مستوى المدرسة. (Gardner,1999).
إن نظرية الذكاءات المتعددة لجاردنر Gardner قد تبدو على طرفي نقيض مع المفهـوم الأحادي للموهبة أو الذكاء، إلا أنـها في حقيقـة الأمر غـير ذلك، لأنها لا تنفـي –بالضرورة- وجود أشخاص متعددي المواهب أو الذكاءات بإمكانهم أن يبدعوا أو يتفوقوا في أكثر من ميدان. إن الحالات السبعة التي عرضها جاردنر في كتابه "العقول المبدعة" Creating Minds تقدم دليلاً على وجود عدة ذكاءات، حيث عُرف كل من الشخصيات التي عرضها بإنجازات في مستوى الاختراق الإبداعي في مجال معين دون غيره، غير أن هذا الدليل لا يقطع على وجه اليقين بأن أياً من تلك الشخصيات لا تمتلك طاقة أو قدرة على الإنجاز المتميز في ميدان أو آخر غير ذلك الميدان الذي ارتبط اسمه به (Gardner,1999).
إن قبول نظرية أحادية الموهبة أو الذكاء يعني من الناحية العملية أن الطبيب المبدع مثلاً لا يمكن أن يكون شاعراً مبدعاً، أو أن السياسي البارع لا يمكن أن يكون فناناً أو أديباً متميزاً. والحقيقة أن هناك أفراداً موهوبين عرفوا بقدراتهم الهائلة في مجالات معينة، وأن غالبيتهم كانوا يتمتعون بشخصيات متكاملة إلى حد كبير. ولكنهم وصفوا بطريقة مجزأة أحياناً لأن اهتماماتهم الأساسية فقط هي التي برزت إلى السطح وشاعت في المجتمع.
إن الشواهد التاريخية حافلة بالأمثلة على هذه الشخصيات ومنها:
· الحسن بن الهيثم: اشتهر بابداعاته في مجالي الطبيعية والحساب، ولكنه برع وألف في الهندسة والجبر والفلسفة والطب واللغة والأخلاق ما يزيد عن مائتي مصنف.
· البيروتي: قدم مساهمات إبداعية في الرياضيات والفلك والجغرافيا وعلم الإنسان والمعادن والطب والهندسة والصيدلة والتنجيم، وألف مائة وثمانين كتاباً ورسالة.
· ليوناردو دافنشي: كان من أعظم الرسامين كما كان نحاتاً ومعمارياً وفيلسوفاً.
· توماس جيفرسون: كان ثالث رئيس أميركي. وضع إعلان الاستقلال، وكان محامياً وكاتباً وفناناً ومهندساً ومصمماً وسياسياً وإدارياً من الطراز الأول.
· ونستون تشرشل: كان مبدعاً كمحارب وسياسي وعالم بالتاريخ وكاتب وخطيب مفوّه، وقد منح جائزة نوبل في الآداب اعترافاً بتفوقه وإبداعه.
فهل يمكن أن نتجاهل هذه الحقائق والشواهد ونحن نواجه مشكلة الكشف عن الموهوبين في مدارسنا؟ وهل يجوز الاستمرار في التشبث باختبارات الذكاء التقليدية باعتبارها المرجعية الأولى – وربما الوحيدة- في الكشف عن الموهوبين بعد كل هذا التراث السيكولوجي الهائل الذي تراكم على مر السنين ولا سيما في مجال علم النفس المعرفي وسيكولوجية الإبداع، وهل يوجد اختبارات تتمتع بخصائص سيكومترية مقبولة لقياس الذكاءات المتعددة؟
نظرية الذكاء الناجح والموهبة
طوّر روبرت ستيرنبرج Sternberg في جامعة Yale خلال العقدين الماضيين عدة نظريات حديثة في الذكاء ذات مضامين مهمة في الكشف عن الموهوبين وتعليمهم. ففي عام 1985 عرض نظريته الثلاثية في الذكاء الإنساني (Sternberg, 1985)، وفي عام 1997 قدم صورة مطورة عن هذه النظرة سماها نظرية الذكاء الناجح (Sternberg, 1997). وعرف الذكاء الناجح بأنه القدرة على تحقيق النجاح في الحياة العملية طبقاً لمفهوم الفرد نفسه وتعريفه للنجاح في محيطه الاجتماعي الثقافي، وذلك عن طريق توظيف عناصر القوة لديه والتعويض عن عناصر ضعفه، من أجل التكيف مع محيطه بتشكيله أو تعديله أو تغييره بتآزر وحشد قدراته التحليلية والإبداعية والعملية.
واستناداً لنظرية ستيرنبرج فإن الذكاء الناجح يتألف من ثلاثة مكونات أو يتضمن ثلاثة أنواع من الذكاء، هي:
الذكاء التحليلي Analytical Intelligence
هو القدرة على التحليل وإصدار الأحكام والنقد والمقارنة والتقييم.
الذكاء الإبداعي Creative Intelligence
هو القدرة على الابتكار والاكتشاف والتخيل ووضع الافتراضات
الذكاء العملي Practical Intelligence
هو القدرة على حل المشكلات الحياتية غير المحددة جيداً خارج المدرسة التي يمكن أن يكون لها عدة حلول وعدة طرق للوصول لهذه الحلول.
وفي ضوء ذلك يصنف ستيرنبرج الموهبة والموهوبين في أربع فئات هي:
الموهوب تحليلياً Analytical Intelligence
هو من تتجلى موهبته في قدرته على التحليل والنقد والمقارنة والتفسير والتقويم وإصدار الأحكام. والموهوب من هذه الفئة عادة ما يكون أداؤه في الواجبات المدرسية متميزاً وكذلك في اختبارات الذكاء التقليدية.
الموهوب إبداعياً Creatively Gifted
هو من تتجلى موهبته في الاكتشاف والابتكار والتخيل وتوليد الأفكار ووضع الفرضيات. والموهوب من هذه الفئة لا تكشف عنه اختبارات الذكاء، ويحتاج إلى مهمات أو اختبارات تتطلب توليد أفكار جديدة وأصيلة مثل كتابة القصص القصيرة والرسومات وحل مشكلات رياضية غير مألوفة.
الموهوب عملياً Practically Gifted
هو من تظهر موهبته في المهمات العملية التي تتطلب تطبيق وتوظيف المعلومات التي تم تعلمها في الحياة العملية، وكذلك استخدام وتنفيذ المعرفة الضمنية التي لا تدرس بصورة مباشرة في المدرسة. والموهوب من هذه الفئة يعرف ما الذي يحتاجه للنجاح في بيئته، ويكشف عن ذكائه في أوضاع ومواقف ذات محتوى محدد
الموهوب المتوازن Balanced Gifted.
هو من يتمتع بمستويات جيدة من القدرات التحليلية والإبداعية والعملية، ويعرف متى يستخدم أياً منها.
ويقترح ستيرنبرج ثلاثة أنواع من العمليات المترابطة التي تشكل الأساس لجميع مظاهر الذكاء أو الوظائف العقلية، وهي:
· المكونات الأسمى Metacomponents
هي العمليات العقلية العليا غير المرتبة التي تستخدم في وضع خطة العمل والمراقبة أثناء التنفيذ، والتقييم واتخاذ القرار بعد إتمام العمل، وهي ثلاثة أنواع:
- عمليات إدارة الذات
- عمليات إدارة المهمات أو المشكلات
- عمليات إدارة الآخرين
· المكونات الأدائية Performance Components
هي عمليات تنفيذ تعليمات أو توجيهات المكونات الضمنية كإجراء المقارنات والاستدلالات وتبرير الاستجابات.
· مكونات اكتساب المعرفة Knowledge Acquisition Components
هي العمليات المستخدمة في التعلم والحصول على المعرفة كالترميز الاختياري (بمعنى اختيار ما له صلة وما ليس له صلة بالموضوع)، والمقارنة الاختيارية (بمعنى ربط المعلومات الجديدة بالقديمة)، والدمج الاختياري (بمعنى تجميع المعلومات المتناثرة وربطها معاً للوصول إلى نتيجة). ويرى ستيرنبرج أن هذه المكونات الثلاث تتفاعل فيما بينها بصورة دينامية اعتماداً على متطلبات الموقف أو المشكلة ونوع عمليات التفكير اللازمة للتعامل معها.(Sternberg, 1986)
ويدافع ستيرنبرج عن نظريته وتطبيقاتها العملية من حيث صلاحيتها للاستخدام في الكشف عن الموهوبين من ناحية وتصميم برامج التعليم وأساليب التقويم المناسبة لهم من ناحية أخرى. كما أنه يشير إلى أن اختبارات الذكاء التقليدية والاختبارات المدرسية وكذلك المناهج الدراسية تتمحور في الأساس حول الذكاء التحليلي، وهي ليست مرتبطة بخبرات الفرد الحياتية، كما أنها ليست مرتبطة بالخبرات الإبداعية، وبالتالي فإن اختبارات الذكاء المعروفة مرتبطة إلى حد كبير بالخبرات المدرسية ذات الطابع الأكاديمي، وليست صالحة لقياس الذكاء العملي والذكاء الإبداعي اللذين يعتبران في غاية الأهمية للنجاح في الحياة العملية. حيث إن الكفاية في التعامل مع مواقف الحياة الواقعية يعتمد على المعرفة الضمنية ذات الطابع العملي وليس الأكاديمي والتي لا يتم تعليمها بصورة مباشرة أو منتظمة.
ويستعرض ستيرنبرج وجريجبرنكو (Sternberg, & Grigerenko 2002) العلاقة بين نموذج تعليم الموهوبين المستند إلى نظرية الذكاء الناجح والنماذج الأخرى المعروفة مثل نموذج رنزولي Renzulli، ونموذج جاردنر Gardner في الذكاءات المتعددة، ونموذج جانييه Gagn'e الذي يميز بين الموهبة والتفوق، والنموذج السائد المستند إلى نظرية العامل العام للذكاء، ويخلصان إلى استنتاج مفاده أنه لا يوجد تناقض بين نظرية الذكاء الناجح والنموذج المستند إليها في الكشف عن الموهوبين وتعليمهم، وبين النظريات والنماذج الأخرى، وان نظرية الذكاء الناجح قد تسد نقصاً في بعض هذه النماذج وربما تتكامل معها.
وإذا قبلنا تضمينات نظرية الذكاء الناجح ونحن نتحدث عن الإصلاح المدرسي، فهل يجوز أن تبقى الخبرات التي تقدمها المدرسة لطلبتها والاختبارات التي تستخدمها مقصورة على جانب واحد للذكاء هو الذكاء التحليلي؟
وإذا كانت عملية الكشف عن الطلبة الموهوبين ورعايتهم تمثل احد جوانب خطة الإصلاح المدرسي، فهل يجوز أن نستمر في استخدام أدوات واختبارات مصممة أصلاً لقياس الذكاء التحليلي فقط؟
وهل يمكن توفير اختبارات تتمتع بخصائص سيكومترية جيدة لاستخدامها في الكشف عن المكونات الثلاثة للذكاء الناجح (التحليلي والابداعي والعملي) حسب نظرية الذكاء الناجح؟
نظرية الذكاء الانفعالي والموهبة
ظهر تعبير "الذكاء الانفعالي" لأول مرة في عنوان أطروحة دكتوراه غير منشورة في مدينة سنسناتي Cincinnati بولاية أوهايو الأمريكية عام 1985 (Payne,1985). وفي عام 1990 نشرت ورقة علمية مطولة بعنوان "الذكاء الانفعالي" للباحثين ماير وسالوفي في مجلة دورية معروفة (Mayer, & Salovey,1990)، واستمر الباحثان في نشر مقالات حول "الذكاء الانفعالي"، وطورا اختبارين لقياسه، غير أن كتاباتهما ظلت محصورة في الدوائر الأكاديمية. وفي عام 1995 نشر الباحث دانيال جولمان كتابه الأول بعنوان "الذكاء الانفعالي: لماذا يمكن أن يهم أكثر من نسبة الذكاء؟ (Goleman, 1995)، وأحدث بذلك نوعاً من الثورة الثقافية في عالم التربية والأعمال حيث انتشر مفهوم الذكاء الانفعالي وثقافته على نطاق واسع خارج الدوائر الأكاديمية. وخلال العشر سنوات الماضية أصبح موضوع "الذكاء الانفعالي" من الموضوعات التي تستقطب اهتمام الباحثين والتربويين ورجال الإدارة العليا، كما أصبح محوراً للعديد من البحوث والدراسات النظرية والتجريبية التي كثيراً ما وجدت طريقها للتطبيق في المدارس ومراكز تدريب القيادات الإدارية .(Goleman,1998) إنّ جذور مفهوم الذكاء الانفعالي كأحد مكونات العقل أو النشاطات العقلية يعود إلى القرن الثامن عشر عندما قسم العلماء العقل إلى ثلاثة أقسام متباينة أوردها رزق (2003، ص 69) على النحو التالي:
· المعرفة وتشمل الوظائف العقلية والعمليات المعرفية كالذاكرة والتفكير وحل المشكلات واتخاذ القرارات.
· العاطفة وتشمل الانفعالات والمشاعر والأمزجة.
· الدافعية وتشمل الدوافع الفطرية والدوافع المكتسبة
وفي العشرينيات من القرن الماضي قدم ثورندايك Thorndike مفهوم الذكاء الاجتماعي وعرفه بأنه القدرة على فهم وإدارة الآخرين ليتصرفوا بحكمة في العلاقات الاجتماعية، وافترض وكسلر Wechsler أن العوامل غير العقلية ضرورية للتنبؤ بقدرة الفرد على النجاح في الحياة، وتشمل هذه العوامل الجوانب الانفعالية والشخصية والاجتماعية، وتسهم مع القدرة العقلية في تحديد السلوك الذكي. وبناء عليه فإنه من غير الممكن قياس الذكاء الكلي للفرد دون أن تتضمن اختبارات الذكاء بعض الفقرات لقياس العوامل غير العقلية (Cherness,2000). وفي بداية الثمانينات جدد جاردنر Gardner سبعة أنواع منفصلة للذكاء كان من بينها الذكاء البينشخصي أو الاجتماعي والذكاء الذاتي أو الداخلي وكلاهما مرتبط بمفهوم الذكاء الانفعالي.
مفهوم الذكاء الانفعالي
صنف الباحثان عثمان ورزق (2001) تعريفات الذكاء الانفعالي ضمن فئتين:
· التعريفات التي ترى أن الذكاء الانفعالي هو قدرة على فهم الانفعالات الذاتية والتحكم فيها وتنظيمها وفهم انفعالات الآخرين والتعامل معهم في المواقف الحياتية وفق ذلك.
· التعريفات التي ترى أن الذكاء العاطفي عبارة عن مجموعة من المهارات الانفعالية والاجتماعية كالوعي الذاتي والتحكم بالانفعالات والمثابرة والحماس والدافعية الذاتية والتقمص العاطفي واللباقة الاجتماعية التي يتمتع بها الفرد ويحتاجها للنجاح في الحياة والعمل.
ثم توصلا بعد مراجعة مستفيضة لما كتب حول هذا الموضوع إلى أن الذكاء الانفعالي خاصية مركبة من خمسة مكونات أساسية، هي:
· المعرفة الانفعالية
· إدارة الانفعالات
· تنظيم الانفعالات
· التعاطف
· التواصل
وعرف مايروسالوفي الذكاء الانفعالي (Mayer, & Salovey, 1985) بأنه القدرة على فهم الانفعالات الذاتية وانفعالات الآخرين، والتمييز بينها واستخدام الانفعالات لتوجيه التفكير والسلوك، وتضم أربعة مكونات، هي:
· القدرة على إدراك الانفعالات بدقة بعد تقييمها والتعبير عنها؛
· القدرة على توليد الانفعالات والوصول إليها لتسهيل عملية التفكير؛
· القدرة على فهم الانفعالات والمعرفة الانفعالية،
· القدرة على تنظيم الانفعالات لتسهيل النمو العقلي والانفعالي
أما جولمان (Goleman, 1995) فقد عرف الذكاء الانفعالي بأنه مجموعة من المهارات والكفايات التي تمكن الفرد من التعرف على مشاعره ومشاعر الآخرين، وعلى تحفيز ذاته وإدارة انفعالاته وعلاقاته مع الآخرين بشكل فعال، وتشمل هذه الكفايات والمهارات خمسة مجالات هي: الوعي بالذات، وإدارة الانفعالات، وحفز الذات، والتعاطف، والتعامل مع الآخرين أو المهارات الاجتماعية.
وفي عام 1998 نشر جولمان كتابه "العمل مع الذكاء الانفعالي" وعرض فيه إطاراً عاماً معدلاً لنظريته يتضمن أربعة أبعاد تتألف من عشرين كفاية فرعية هي:
· الوعي الذاتي ويضم الوعي الانفعالي الذاتي والتقييم الذاتي الدقيق والثقة بالنفس
· إدارة الذات وتضم الضبط الذاتي والجدارة بالثقة والوعي والتكيف والمبادرة والدافعية للتحصيل.
· الوعي الاجتماعي ويضم التعاطف وتكييف الخدمة والوعي المؤسسي.
· إدارة العلاقات وتضم التأثير والاتصال وإدارة الصراع والقيادية وبناء الروابط وتغيير المحفزات والعمل الجماعي والتعاون وتطوير الآخرين.
ويرى جولمان أن المدرسة هي المسؤولة عن تحقيق الكفاءة الانفعالية لدى المتعلمين من خلال بناء وتحسين مهارات الذكاء الانفعالي بدءاً من مرحلة الروضة، وقد بدأت المدارس في كثير من الدول الغربية منذ أكثر من عشر سنوات تدريس هذه المهارات في إطار ما سُمي بحركة "التعلم الاجتماعي الانفعالي".
إن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق يتعلق بكيفية الاستفادة من نظرية الذكاء الانفعالي وتطبيقاتها العملية في مجال الكشف عن الطلبة الموهوبين والمتفوقين، ولا سيما أن هناك عدة مقاييس للذكاء الانفعالي تتمتع بدرجة جيدة من الخصائص السيكومترية. وإذا كانت "القيادية" من الفئات المعتمدة والمقبولة عالمياً كإحدى فئات الموهوبين والمتفوقين، وكان الذكاء الانفعالي ببعديه الذاتي والاجتماعي من المتطلبات الحيوية للقيادية، فلماذا لا يؤخذ الذكاء الانفعالي بالاعتبار من قبل القائمين على برامج تعليم الموهوبين والمتفوقين؟
التطلعات المستقبلية
في ضوء ما تقدم يمكن القول بأنه لا يوجد في متناول اليد إجابات وافية ومقنعة لكل التساؤلات التي أثيرت حول قصور الأساليب السائدة المستخدمة في الكشف عن الطلبة الموهوبين والمتفوقين في مختلف المراحل الدراسية. غير أنه يمكن الجزم بأن الاتجاهات الحديثة في نظرية الذكاء والموهبة تحمل مضامين نظرية وتطبيقيه ذات أبعاد في غاية الأهمية في مجالات التقييم والتشخيص لذوي الحاجات الخاصة، والمناهج وأساليب التدريس سواء بالنسبة للطلبة العاديين أو الموهوبين أو ذوي صعوبات التعلم، وغيرهم من فئات التربية الخاصة. ولا شك أن القائمين على عمليات الإصلاح المدرسي والتربوي معنيون بمراجعة الممارسات الراهنة والإفادة من الاتجاهات الحديثة في علم نفس الموهبة والتفوق. وفي هذا الإطار فإنني أقترح تشكيل فرق عمل وطنية من المختصين والمسؤولين في الجامعات ووزارات التربية والتعليم العالي لوضع خطة عمل متكاملة تعالج جميع الجوانب المتعلقة بالكشف عن الموهوبين والمتفوقين في جميع المراحل الدراسية، وتحدد الأساليب المناسبة لرعايتهم. وربما كان من المناسب أن يتولى مكتب التربية العربي لدول الخليج عملية تنسيق الجهود في دول مجلس التعاون الخليجي من أجل حشد أفضل الخبرات المتوافرة في هذا المجال، وتوحيد المعايير وإنجاز المشروع بأقل قدر من التكاليف والوقت. كما أن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم يمكن أن تقوم بنفس المهمة في المناطق العربية الأخرى.
أما أهم عناصر خطة العمل المطلوبة على المستوى الوطني أو الإقليمي، فهي:
أولاً: تطوير المقاييس والاختبارات المناسبة
نظراً لأن نظام الكشف عن الطلبة الموهوبين والمتفوقين هو المدخل الأساسي لأي مشروع لرعاية الموهوبين والمتفوقين، ولأن اختبارات الكشف وأدواته غير الاختبارية تمثل أهم مكونات نظام الكشف، فإن خطة العمل يجب أن تتضمن معالجة وافية لقضية تطوير اختبارات فردية وجمعية لقياس القدرات العقلية والاستعدادات الأكاديمية وفق الاتجاهات الحديثة في نظرية الذكاء، على أن يتم تقنينها لتكون صالحة للتطبيق في جميع دول الخليج وغيرها من الدول العربية، بالإضافة إلى تطوير قوائم تقدير الخصائص الشخصية والدافعية والإبداع التي تُعد محكاً مهماً في التعرف على الموهوبين والمتفوقين خاصة لدى أطفال ما قبل المدرسة والمرحلة الابتدائية، ولا سيما في مجالات الموهبة والتفوق غير الأكاديمية.
إن الحاجة ماسة لوضع حد للجهود المبعثرة والإنفاق غير المبرر، حتى في البلد الواحد، على تطوير اختبارات غريبة المنشأ لقياس القدرات والاستعدادات، علماً بأن الكفاءات المتوافرة لدينا ربما تفوق في مستواها الكفاءات الأجنبية. وتجدر الإشارة بهذا الصدد إلى تجربة المركز الوطني للقياس والتقويم في التعليم العالي بالسعودية فيما يتعلق بتطوير اختبارات القدرات أو الاستعدادات الأكاديمية.
ثانياً: التجسير بين المدرسة والجامعة:
ورد في التقرير التلخيصي لمشروع "مستقبل التعليم في الوطن العربي" الذي نشره منتدى التفكر العربي عام 1991، إشارة إلى ضرورة إدخال هيكلية جديدة لتعليم المستقبل تقوم على أساس مفهوم "الشجرة التعليمية" بدلاً من مفهوم "السلم التعليمي" ، وكلاهما بطبيعة الحال له بداية محددة، ولكن المفهوم الجديد ليس محكوماً بتسلسل محدد ونهاية محددة، بل ينطوي على مرونة وتنوع في تسلسله ويسمح للجميع بأن يتسلقوا أياً من الفروع حسب قدراتهم واختياراتهم، وفي مجال إصلاح التعليم العالي يقترح إنشاء "مراكز للتميز" الرفيع يمكن التمهيد لاختيار طلبتها من المدارس الثانوية أو المرحلة العمرية ما بين 15 و 18 سنة (إبراهيم، 1991).
إن توصية منتدى الفكر العربي بإنشاء مراكز للتميز في الجامعات تتم تغذيتها بالطلبة الموهوبين والمتفوقين من خلال الاتصال بالمدارس في مرحلة مبكرة لا تزال صالحة للتطبيق في إطار الخطة الوطنية المقترحة.
لكن الواقع يشير إلى أن المدرسة منعزلة عن الجامعة، والجامعة منعزلة عنها وعن المجتمع، والفجوة بينهما في اتساع مستمر، ونظراً للدور الإيجابي الذي يمكن أن تلعبه الجامعة في رعاية الموهوبين والمتفوقين، فلا بد لأي خطة وطنية لإصلاح التعليم ورعاية الموهوبين أن تتضمن معالجة لدور الجامعات في هذا المجال، وتحدد الآليات المناسبة لتجسير الفجوة بين الجامعة والمدرسة، والتي يمكن أن تأخذ أشكالاً عديدة أثبتت فعاليتها في دول كثيرة، وهي مطبقة منذ عقود، ومن بين هذه الأشكال:
· القبول المبكر في الجامعة
· القبول المتزامن في المدرسة والجامعة
· البرامج الصيفية والبرامج الموجهة للمناطق المحرومة/ البعيدة
· برامج الإرشاد الجامعي والمقررات المتقدمة
· تدريب المعلمين وتأهيلهم في مجالي الكشف عن الموهوبين ورعايتهم.
ثالثاً: برنامج البحث عن الموهبةTalent Search
يستهدف هذا البرنامج اكتشاف الطلبة الموهوبين والنابغين في مجالات أكاديمية محددة كالرياضيات والفيزياء وتكنولوجيا المعلومات على وجه الخصوص، لأننا أحوج ما نكون للتميز في هذه المجالات الحيوية، ولأن عائد الاستثمار فيها يسهم بصورة فعالة في التنمية الاجتماعية. وقد تبنت دول كثيرة هذا النهج في الكشف عن أبنائها من الموهوبين والنابغين مثل كوريا وسنغافورة، وماليزيا وأستراليا، وذلك على غرار برنامج الكشف عن الموهوبين النابغين الذي بدأه جوليان ستانلي Stanley في جامعة جونز هوبكنز الأمريكية خلال السبعينات من القرن الماضي، وأصبح نموذجاً واسع الانتشار في أنحاء مختلفة من الولايات المتحدة الأمريكية.
لقد كان من بين النتائج التي ترتبت على هذا البرنامج تفعيل دور الجامعات في تطوير برامج أكاديمية للطلبة الموهوبين والنابغين قبل تخرجهم من المدرسة الثانوية، وتكييف وقت هذه البرامج لتتناسب مع ظروف واحتياجات هؤلاء الطلبة، وذلك بالتعاون مع مدارسهم، وقبول بعضهم في الجامعات خلال المرحلة العمرية ما بين 13-18 سنة إما بصورة كلية ودوام كامل، وإما بصورة جزئية لدراسة بعض المواد التي أظهروا نبوغاً فيها مع بقائهم في مدارسهم لاستكمال متطلبات تخرجهم.
كما ساهم برنامج البحث عن الموهبة في زيادة الوعي المجتمعي باحتياجات الطلبة الموهوبين ومشكلاتهم في المجالات المعرفية والانفعالية والاجتماعية، وتقوية الروابط المهنية بين الجامعات والمدارس الثانوية، وإطلاق العديد من المبادرات التربوية الموجهة لخدمة هؤلاء الطلبة، ومساعدة أولياء أمورهم وتدريب الكوادر التعليمية والإرشادية العاملة معهم، بالإضافة إلى إجراء البحوث العلمية والدراسات الميدانية بهدف تطوير جميع الجوانب المتعلقة بهذا البرنامج. ويمكن أن ينفذ هذا البرنامج عن طريق الأولمبيادات أو المسابقات الدورية أو عن طريق تطوير برنامج اختبارات استعداد أكاديمي على غرار اختبارات الاستعداد الدراسي Scholastic Aptitude Test (SAT)، الأمريكية وفتح المجال للطلبة الراغبين من مستوى الصف الثامن فما فوق أن يتقدموا لها علي أن تتولى إحدى الإدارات المختصة في وزارة التربية والتعليم إدارة هذا البرنامج والإشراف عليه.
وأخيراً لا بد من القول إننا إذا كنا نفكر حقيقة في الإصلاح المدرسي وتعليم المستقبل، فلا مناص من الإسراع في اتخاذ قرارات جريئة تتعلق بأهم مكونات ثروتنا البشرية من الأطفال والشباب الموهوبين والمتفوقين الذي يشكلون أفضل ضمانة لمستقبل واعد.
المراجع
إبراهيم، سعد الدين (1991). تعليم الأمة العربية في القرن الحادي والعشرين: الكارنة أو الأمل (ص65-66)- عمان، الأردن، منتدى الفكر العربي
جروان، فتحي (2004). الموهبة والتفوق والإبداع. عمان، الأردن: دار الفكر للطباعة والنشر
رزق، محمد عبد السميع (2003). مدى فاعلية برنامج التنوير الانفعالي في تنمية الذكاء الانفعالي للطلاب والطالبات بكلية التربية بالطائف. مجلة جامعة أم القرى للعلوم التربوية والاجتماعية والإنسانية- المجلد (15)، العدد (2(
عثمان، فاروق السيد ورزق، محمد عبد السميع (2001). الذكاء الانفعالي: مفهومه وقياسه. مجلة علم النفس التربوي- المجلد (58)، العدد(15)، ص ص (32-50)
Cherness, C. (2000). Emotional Intelligence: What it is and why it matters. Paper presented at the annual meeting of the Society for Industrial and Organizational Psychology, New Orleans, LA. April 15.
Clark, B. (1992). Growing up gifted (4th ed.). New York: Macmillan Publishing Company.
Department of Education (1993). National excellence: A case for developing America's talent. Washington. DC: US Government Printing Office.
Gardner, H. (1999). Intelligence reframed: Multiple Intelligence reframed: multiple Intelligences for the 21st century. NY: Basic Books.
Gardner, H.(1983). Frames of Mind: The Theory of Multiple Intelligences, NY: Basic Books.
Goleman, D.(1995). Emotional Intelligence. New York. Bantam Press.
Golman, D.(1998). Working with emotional Intelligence. New York: Bantam Press.
Jarwan, F., & Feldhusen, J. (1993). Residential schools of mathematics and science for academically talented youth: An analysis of admission programs. Washington DC: US Department of Education.
Minton, B.A., & Pratt, S. (2006). Gifted and highly gifted students: How do they score on the SBS? Roeper Review, 28(4), 232-236.
Sternberg, R. (1985). Beyond IQ: A triarchic theory of human Intelligence. Cambridge, England: Cambridge University Press.
Sternberg, R. (1986). A triarchic theory of intellectual giftedness. In R. Sternberg & J. Davidson (Eds.), Conception of giftedness (pp. 223-243). NY: Cambridge University Press.
Payne, W.L.(1985). A Study of Emotion: Developing of Emotional Intelligence. Unpublished Doctoral Dissertation, The Union Institute, Cincinnati, OH.
Source: DAI, 47, no OIA(1985):0203.
إبراهيم، سعد الدين (1991). تعليم الأمة العربية في القرن الحادي والعشرين: الكارنة أو الأمل (ص65-66)- عمان، الأردن، منتدى الفكر العربي
جروان، فتحي (2004). الموهبة والتفوق والإبداع. عمان، الأردن: دار الفكر للطباعة والنشر
رزق، محمد عبد السميع (2003). مدى فاعلية برنامج التنوير الانفعالي في تنمية الذكاء الانفعالي للطلاب والطالبات بكلية التربية بالطائف. مجلة جامعة أم القرى للعلوم التربوية والاجتماعية والإنسانية- المجلد (15)، العدد (2(
عثمان، فاروق السيد ورزق، محمد عبد السميع (2001). الذكاء الانفعالي: مفهومه وقياسه. مجلة علم النفس التربوي- المجلد (58)، العدد(15)، ص ص (32-50)
Cherness, C. (2000). Emotional Intelligence: What it is and why it matters. Paper presented at the annual meeting of the Society for Industrial and Organizational Psychology, New Orleans, LA. April 15.
Clark, B. (1992). Growing up gifted (4th ed.). New York: Macmillan Publishing Company.
Department of Education (1993). National excellence: A case for developing America's talent. Washington. DC: US Government Printing Office.
Gardner, H. (1999). Intelligence reframed: Multiple Intelligence reframed: multiple Intelligences for the 21st century. NY: Basic Books.
Gardner, H.(1983). Frames of Mind: The Theory of Multiple Intelligences, NY: Basic Books.
Goleman, D.(1995). Emotional Intelligence. New York. Bantam Press.
Golman, D.(1998). Working with emotional Intelligence. New York: Bantam Press.
Jarwan, F., & Feldhusen, J. (1993). Residential schools of mathematics and science for academically talented youth: An analysis of admission programs. Washington DC: US Department of Education.
Minton, B.A., & Pratt, S. (2006). Gifted and highly gifted students: How do they score on the SBS? Roeper Review, 28(4), 232-236.
Sternberg, R. (1985). Beyond IQ: A triarchic theory of human Intelligence. Cambridge, England: Cambridge University Press.
Sternberg, R. (1986). A triarchic theory of intellectual giftedness. In R. Sternberg & J. Davidson (Eds.), Conception of giftedness (pp. 223-243). NY: Cambridge University Press.
Payne, W.L.(1985). A Study of Emotion: Developing of Emotional Intelligence. Unpublished Doctoral Dissertation, The Union Institute, Cincinnati, OH.
Source: DAI, 47, no OIA(1985):0203.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق