| ||
|
دور التوجيه والإرشاد المهني في تضييق الفجوة بين مخرجات
التعليم والتدريب واحتياجات سوق العمل
د. إبراهيم التومي
مدير بوزارة التربية والتكوين
الفهرس
1. مقدمة
إن المتتبع لواقع
سوق العمل بالمنطقة العربية غالبا ما يلاحظ وجود طلبات عمل صادرة عن عديد القطاعات
الاقتصادية لا تجد من يستجيب لها وذلك بالرغم من وجود أعداد هائلة من العمالة
العاطلة عن العمل. وقد تبقى بعض الطلبات غير ملباة لمدة طويلة. ويبقى السؤال
المطروح بإلحاح لماذا، وفي ظروف تزايد العمالة المتدفقة عل سوق العمل واستقرار
معدلات البطالة في مستويات مرتفعة (أكثر من 14 % )[1]، تبقى بعض طلبات عمل غير مستغلة
؟ للإجابة على هذا السؤال يمكن تقديم بعض العناصر مثل: عدم ملائمة ظروف وشروط العمل (بعد مكان العمل، مستوى التأجير،...) وعدم توفر الكفاءات المطلوبة وعدم الإعلام الجيد
بفرص العمل...
يمكن أن تتعدد
الإجابات وشرح الأسباب لكن الأكيد أنّ السبب الرئيسي يكمن في عدم الملاءمة بين
احتياجات سوق العمل وملامح الوافدين عليها، والأكيد أيضا أنّ هذه الفرص غير
المستغلة هدر للطاقات وتقلص من نمو الاستثمار ونقص في خلق الثروة وتساهم بالتالي
في تدني مستوى التوظيف والترفيع في نسب البطالة أو على الأقل في عدم التقليص منها.
وقد نتفهم عدم
توفر الكفاءات المرغوب فيها وغير المتوفرة عندما يتعلق الأمر بكفاءات علمية
وتكنولوجية نادرة ورفيعة المستوى في اختصاصات دقيقة والتي لا تحتاجها سوق العمل
بكثرة، لكن وللأسف فإن ذلك يشمل في عديد الأحيان وفي عديد البلدان اختصاصات في
المستويات الوسطى والصغرى.
يمكن أن نستخلص
مما سبق أن أسباب البطالة لا تكمن فقط في فائض عرض العمل مقابل الطلب بل لها أسباب
أخرى، نكتفي هنا بالإشارة إلى مسألة التوجيه والإرشاد المهني والتي كما سنبين
لاحقا لها دور هام في التقريب بين احتياجات سوق العمل والعناصر المتحكمة في ملامح
المتدفقين على هذه السوق.
وسنقدم في هذه
الورقة، بصورة مبسّطة أهم ميزات سوق العمل وانتظارات القطاعات المهنية وكذلك أهم
ملامح المتدفقين على سوق العمل ومصادرهم ثم نقدم مفهوم التوجيه والإرشاد المهني وفي
الختام تحليل كيفية مساهمته في الحد من الفوارق بين احتياجات سوق العمل وملامح
الوافدين عليها.
2. سوق العمل
نظريا وفي نظام
اقتصادي تحرري، سوق العمل هي سوق حرة وتتكون "من لقاء جانبي العرض والطلب
ويتم فيها تحديد كميات كل منها والأجور المقابلة كما يتم فيها توزيع موارد العمل
على مختلف المنشآت والقطاعات والأقاليم"[2].
يتكون الطلب على العمل من فرص التوظيف والتشغيل التي توفرها مختلف القطاعات
الإنتاجية ويتحكم فيه منطق البحث عن تحقيق الربح المتأتي من فارق تكلفة العمل
المباشرة وغير المباشرة والقيمة المضافة التي يحققها هذا العمل.
يتكون عرض العمل من تدفق عديد الفئات التي يمكن حصر أهمها في :
- الوافدين على سوق العمل لأول مرة من خريجي منظومات
التربية والتدريب والتعليم العالي وتتفرع هذه الفئة إلى :
§ خريجي منظومة التدريب المهني والذين تلقوا أثناء فترة
تدريبهم تكوينا مكنهم من اكتساب مهارات وكفايات مهنية يفترض أنها أقرب ما تكون لما
تحتاجه المؤسسات الإنتاجية المشغلة
§ خريجي مؤسسات التعليم العالي. وخصوصية هذه الفئة كثرة
الاختصاصات وتعدد مسالك التعليم التي تفضي إلى تنوع كبير في ملامح المتخرجين. وقد
حملت هذه الفئة، إلى زمن غير بعيد، إرثا ثريا يتميز بنظرة إعجاب وتقدير لخرجي
الجامعات واعتبارهم ورثة حملة العلم والمطالبين بالمحافظة عليه وتدعيمه والإضافة
فيه لتسليمه للأجيال القادمة خدمة للعلم ولتقدم الإنسانية. وقد كان من الشائع أن
لا يكون مجال التعلم ذو فائدة اقتصادية مباشرة ولا من العيب أن يكون غير قابل
للمبادلة في سوق العمل. كان هذا الاعتبار غير مخل بتوازن سوق العمل طالما بقيت فئة
خرجي التعليم العالي في حدود ضيّقة تمكّن من سد الشغور في مختلف الوظائف المتاحة
في القطاع العمومي بما في ذلك التدريس بالتعليم العالي، لكن الرهانات التي برزت
منذ سنوات والتي سيتم التطرق إليها لاحقا جعلت مختلف الأنظمة تعيد النظر في ما هو
منتظر من السواد الأعظم من خرجي التعليم العالي
§ المتسربين من التلاميذ والطلبة الذين غادرو المنظومة
التربوية والتعليمية دون الحصول على مؤهلات مهنية واضحة وتتكون هذه الفئة الفرعية
ممن يعتبرهم البعض من الفاشلين في مسارهم التعليمي
- المنقطعين عن العمل ممن سبق لهم أن اشتغلوا في السابق
وهم قطعا ممن لهم تجربة مهنية قد تكون هامة، وتتميز هذه الفئة بتنوعها حيث نجد
فيها الأُميّين والعملة والتقنيين المهرة ممن لهم مؤهلات قد تكون تقادمت وهم قطعا
في حاجة إلى إعادة التأهيل، وخريجي تعليم عالي وأصحاب مؤسسات صغرى أغلقت لصعوبات
تقنية أو اقتصادية،...
- أشخاص غير عاطلين عن العمل في حالة بحث على تغيير عملهم
وتحسين أوضاعهم المهنية
- أصحاب أفكار مشاريع في حالة بحث عن آليات مساعدة لبلورة
مشاريعهم و / أو المرور بها إلى طور التنفيذ
ومن أهم خصائص هذه السوق:
- الحركية وعدم الاستقرار فهي تتأثر بصفة مباشرة بالوضع
الاقتصادي المحلي والإقليمي والدولي. وهذه النقطة هامة جدا لمّا نعتني بمسألة
التوجيه والإرشاد المهني حيث يجب التنبّه لعدم التوجيه نحو التخصّص الضيق حتى وإن
كان عليه طلب هام في وقت من الأوقات
- الخضوع لقوانين خاصة تتداخل فيها مسائل لا علاقة لها
بعوامل التوازن بين العرض والطلب مثل القيود المتعلقة بالأمن وبالهجرة
- صعوبة التخطيط لجعل العرض يتناسب مع الطلب كميا ونوعيا
نظرا أن "إنتاج" الكفاءات التي تمثل عنصر العرض يتطلب في غالب الأحيان سنوات
عديدة ممّا يجعل هنالك دوما فارقا زمنيا بين تحديد الاحتياج وإنتاج المهارات، وهو
ما يضاعف في صعوبة التخطيط المحكم في هذا المجال
إلى جانب الخصائص العامة هنالك خاصيات أخرى تميز أسواق العمل بالوطن العربي
:
- نقص في الوضوح حيث تفتقر أغلب البلدان العربية لوظائف
المتابعة وتحليل معطيات ومؤشرات سوق العمل
- عدم استقرار ميزات النمو الاقتصادي بالمنطقة حيث تبين
الدراسات المنجزة من قبل المنظمات الدولية أن البلدان العربية غير المصدرة للنفط والتي
بنت اقتصادها على ديناميكية بعض القطاعات كالسياحة والصناعات التحويلية والنسيج
تتأثر بسرعة بالتقلبات على المستوى العالمي. وقد مثل إنهاء العمل بالاتفاق متعدد
الألياف نقصا واضحا في تطور صادرات بلدان كتونس والمغرب في المجال صناعة الملابس، كما
تلعب الصعوبات التي تطال قطاع السياحة من حين إلى آخر دورا سلبيا في توظيف العمالة
في هذا القطاع، وما يشهده اليوم نشاط صناعة قطع وأجزاء السيارات من صعوبات مرتبطة
بالأزمة العالمية لصناعة السيارات إلا دليل آخر على ذالك
- الإقبال المتزايد للمرأة العربية على سوق العمل والذي
تولد عنه بروز انتظارات جديدة وتغيير في المعادلة الكمية بين العرض والطلب
- توافد أعداد هامة من خريجي التعليم العالي من مختلف الاختصاصات
الكثير منها لا تتماشى وعروض العمل، مثل شهادات العلوم الأساسية أو العلوم
الإنسانية...
- تقلص دور القطاع العام مقابل نمو دور القطاع الخاص ولو
أن نسبة القطاع العام بالمنطقة العربية لا تزال مرتفعة نسبيا مقارنة مع المعدلات
العالمية. فالمعدل العالمي لنسبة التوظيف في الوظيفة العمومية من جملة العمالة
الموظفة تبلغ 11% في حين أنها بمنطقة البحر الأبيض المتوسط (دون
اعتبار بلدان الإتحاد الأوروبي) تبلغ 17.5 %
- نوعية الصناعة والمتمثلة أغلبها في صناعات معملية تحويلية
مبنية معظمها على المناولة ذات قيمة مضافة ضعيفة جدا، ولا تشتمل على وظائف البحث
والتطوير مما يقلص من فرص عمل أصحاب الكفاءات التكنولوجية المتطورة وخريجي التعليم
العالي بصفة عامة
- على الصعيد الإجمالي للوطن العربي لا تزال الهجرة من
وإلى المنطقة العربية تلعب دورا هاما في سوق العمل
- وجود قطاع اقتصادي غير نظامي (أو غير مهيكل) هام يوظف
أعداد هامة من العمالة كامل الوقت أو بجزء من الوقت يصعب حصرها وفي كل الحالات لا
يمكن التعرف على خصائصها بكامل الدقة
تلك إذن بعض الخصائص أو الميزات الهامة لسوق العمل عامة
وفي الوطن العربي بصفة خاصة. بالإضافة إلى هذه الخاصيات يمكن، في اختزال شديد،
تقديم بسطة وجيزة عن تداعيات العولمة من الناحية الاقتصادية. هذه التداعيات طالت
كافة بلدان العالم ولكن البلدان الأكثر تقدما أوفر حظ من البلدان النامية لكسب ما
تفرضه من تحديات. إنّ أهّم خصائص الاقتصاد المعولم تتمثل في كونه :
-
اقتصاد لا يعترف
بالحواجز والحدود ولا مجال فيه لمن لا يتحكم في شبكاته وقنواته ومسالكه الوعرة
-
وهو اقتصاد يتطور
بسرعة مذهلة تفرض على كل من يروم متابعة نسقه مرونة فائقة وقدرة على التكيف الآني
مع المستجدات
-
وهو اقتصاد حاد
التنافس يتطلب مستوى رفيعا من الجدوى والجودة والمصداقية، النزول تحته قيد أنملة
يفقد صاحبه ما اكتسبه من حصّة في سوق ضارية لا أخلاق لحرفائها غير المصلحة ولا قيم
فيها سوى قيم المبادلات والمضاربة
-
وهو اقتصاد عماده
المعرفة يتطلّب قدرة فائقة على التعلم والتدريب المستمر واستنباط الحلول
الكفيلة بإحراز السبق والريادة
في الجانب
المقابل لسوق العمل توجد منظومة تنمية الموارد البشرية ولها هي أيضا خاصياتها.
3. منظومات التعليم
والتدريب المهني
يعتبر التدريب المهني والتعليم التقني في شكله النظامي من أحدث أنواع التعليم
حيث لم يبرز بالشكل الذي يمكن مقارنته بما هو عليه الآن إلا بعد انطلاق الثورة
الصناعية. لكن كل الدلائل توحي بأن جل الحضارات القديمة عرفت أشكالا من التدريب
الذي يمكن أن نطلق عليه بالغير نظامي أو الغير مهيكل.
وتبين الدراسات أن جل أنظمة التكوين المهني في أوروبا كانت متشابهة في
العصور الوسطى وحتى أواسط القرن التاسع عشر. فمنذ ظهور الجمعيات المهنية Guildes[1] التي تجمع حرفيين ينشطون في نفس الميدان نظمت
هذه الأخيرة المهن وفرضت القيود للانتماء إليها وكانت الضامن في جودة المنتج لدى
المستهلكين. كما كانت تحدد واجبات المنخرطين في المنظمة المهنية إزاء تدريب
المتدربين والمرافقين la formation
des apprentis et des compagnons وتحكمها قوانين دقيقة توضح العلاقة بين المتدرب – والمرافق -
والمعلّم Apprenti – Compagnon – Maître.
بعد الثورة الفرنسية تم إلغاء نظام المنظمات المهنية من هذا النوع وأطلقت
حرية المبادرة مما ساهم، مع تطور الصناعة والحاجة إلى يد عاملة مؤهلة في وقت وجيز
وبأعداد وفيرة، في ظهور تدريب مهني مهيكل ومبني على التعلم والمعرفة والتطبيق.
ولعل من أبرز ما تم تدوينه حول المهن والأدوات التي تستعمل فيها ما جاء في موسوعة ديدورو
ودلمبار Encyclopédie de Diderot et D’Alembert الصادرة بين سنة 1751 وسنة 1772 والتي تتضمن وصفا دقيقا للعديد من المهن وكيفية
ممارستها والأدوات المستعملة فيها.
والمتتبع لتطور التكوين في البلدان الأوروبية يلاحظ أن أهم العناصر التي
نحتت منظومات التكوين المهني ترجع إلى ثلاثة عوامل رئيسة :
-
إلغاء التنظيمات المهنية المنغلقة من نوع Corporation،
-
نسق التصنيع والدخول في الثورة الصناعية،
-
تأثير الحركات الفلسفية والثقافية والدينية.
فبرزت ثلاثة نماذج هي :
-
المنوال اللبرالي ويمثله النظام البريطاني،
-
المنوال المقنن من طرف الدولة مثل النظام الفرنسي،
-
المنوال الألماني المعروف بالمزدوج Système dual .
ويمكن تلخيص أهم الفوارق بين هذه النماذج حسب عدد من العوامل في الجدول
الموالي :
العامل
|
المنوال اللبرالي
|
المنوال المقنن
|
المنوال المزدوج Dual
|
التحكم في
التنظيم
|
علاقة تفاوضية
بين أصحاب العمل والعمال ومؤسسات التدريب
|
الدولة
|
الغرف :
- الصناعة والتجارة
- المهن أو الحرف
- الفلاحة
|
مكان التدريب
|
معاهد
التكوين،
المؤسسات
الاقتصادية
|
المعاهد أو
مراكز التدريب
|
المؤسسات
الاقتصادية مع تدريب تكميلي بالمدارس
|
تحديد
المحتوى
|
سوق الشغل و/أو المؤسسات
|
الدولة
بالتعاون مع الأطراف الاجتماعين مع اهتمام كبير بالمعارف العامة
|
لجان ثلاثية
التركيبة أصحاب الأعمال، العمال والدولة
|
التمويل
|
الأشخاص
المنتفعين بالتدريب، بعض المؤسسات بالنسبة لاختصاصات معينة
|
الدولة ويوجد
في بعض الأحيان أداء على التدريب المهني
|
- المؤسسات الاقتصادية
- يتقاضى المتدرب منحة
- تمول الدولة التدريب التكميلي بالمدارس
|
تتكون منظومات التربية والتعليم والتدريب المهني والتقني من منظومات فرعية
هي :
-
التعليم العام
ويتكون من التعليم قبل المدرسي والتعليم الأساسي والثانوي وتوجد فروق بين البلدان
في تركيبة مراحل هذا التعليم على أن الهيكل البياني العام يتأسس من مرحلة للتعليم
الأساسي تدوم بين 8 و10 سنوات وهي عادة ما تكون مقسمة بين مرحلة ابتدائية ومرحلة إعدادية ومرحلة
تعليم ثانوي تدوم حوالي 4 سنوات تختم بشهادة انتهاء التعليم الثانوي وتختلف تسمية هذه الشهادة من
بلد إلى آخر. وفي اختتام التعليم الثانوي يلتحق الناجون بالتعليم العالي. وتختلف
طريقة الالتحاق بالتعليم العالي فتكون عن طريق التوجيه بالاعتماد على النتائج
المتحصل عليها أو عن طريق مناظرات خصوصية إلى غير ذلك من الأساليب.
-
التعليم التقني
والذي يقترب في شكله وفي مناهجه من التعليم العام إضافة إلى مناهج خصوصية في مجال
العلوم التكنولوجية والأشغال التطبيقية وغالبا ما يختم بشهادة تشابه الثانوية
العامة أو ديبلوم تقني في مجال تكنولوجي معين.
-
التدريب المهني
ويمكن أن يكون منظما على شاكلة التعليم أو له خصوصياته ويتطلب تجهيزات غالبا ما
تكون ذات تكلفة مالية مرتفعة. كما توجد عديد التفريعات التنظيمية بحيث يصبح من
الصعب تشخيص كل الفوارق التي تمكن ملاحظتها بين الأنظمة المختلفة. وفي نفس البلد
يمكن وجود تنظيمات مختلفة وتتعدد الجهات المشرفة على هياكل التدريب المهني.
وتختلف العلاقة والارتباط بين التعليم العام والتعليم التقني حسب الدول ولا
يوجد منوال موحد. ويمكن اعتبار البيان الهيكلي الموالي كنموذج عام للتعليم
والتدريب المهني والتعليم التقني مع الأخذ بعين الاعتبار لبعض الفوارق من بلد إلى
آخر.
هذا البيان العام يقدم منوالا عاما لمنظومات التربية والتعليم والتدريب
المهني لأغلب بلدان العالم وتكمن أهن الاختلافات في الخاصيات التالية :
-
تعليم موحد خلال
كامل فترة التعليم الأساسي ويقابله في بعض البلدان تعليم أساسي متنوع بداية من
إحدى الدرجات الدنيا مثل النظام الألماني،
-
أما في مرحلة ما
بعد التعليم الأساسي فإنه يلاحظ :
§ تواجد تعليم تقني أو تكنولوجي مختلف عن التدريب المهني بالتوازي مع التعليم
الثانوي العام (فرنسا)
§ تدريب مهني تحت إشراف الوزارة المكلفة بالتربية (فرنسا، سويسرا، ....)، غير
أنه يتوجب توخي الحذر في الجزم في ما يتعلق بطبيعة أي نظام. ففي فرنسا مثلا التي
تعتبر المثال في اندماج التعليم والتعليم التقني والتدريب المهني في منظومة واحدة
فإنه توجد مراكز تدريب تحت إشراف منظمات أصحاب الأعمال إلى جانب تواجد الوكالة
الفرنسية لتكوين الكهول المعروفة بتسمية afpa والتي تؤمن جانبا هاما من التدريب المهني بفرنسا.
§ تدريب مهني مستقل بذاته تحت إشراف وزارة غير وزارة التربية
§ تدريب مهني تحت إشراف المنظمات المهنية
-
العلاقة بين مسلك
التعليم العام والتعليم التقني والتدريب المهني. تمثل هذه العلاقة أحد العوامل
الفارقة في منظومات التربية والتدريب وذلك بتواجد أنظمة مندمجة جعلت من التدريب
المهني والتعليم التقني أحد فروع منظومة التربية وفي المقابل توخت بلدان أخرى
تنظيمات جعلت من التدريب المهني منظومة قائمة بذاتها قد تتكامل مع المنظومة
التربوية وقد لا تتكامل معها.
-
دور المنظمات
المهنية والغرف المختصة (تجارة وصناعة، فلاحة، مهن) في مختلف مراحل التدريب المهني
(تشخيص حاجيات قطاعات الإنتاج، إعداد مناهج، إنجاز التدريب، تقييم مكتسبات
المتدربين،...)
-
طرق تمويل
التدريب المهني. وتجدر الإشارة إلى أن التمويل العمومي هو الأكثر انتشارا في كافة
أنحاء العالم ويمكن أن يكون هذا التمويل بصفة غير مباشرة عن طريق البرامج الخصوصية
لمكافحة البطالة أو البرامج الجهوية أو المحلية. كما أن الجمعيات في الحقل
الاجتماعي تساهم في بعض البلدان في تقديم خدمات في مجال التدريب المهني عن طريق
أنشطة مختلفة وبرامج متنوعة طبقا لتوجهات الجمعية وانتماءاتها.
اهتمت عديد الأوساط بالتعليم والتدريب المهني والتعليم
العالي بالوطن العربي وكُتبت عديد المقالات والأوراق القطرية حول هذا الموضوع
ويمكن الرجوع إلى البعض منها عبر موقع واب منظمة العمل العربية[2].
وقد حققت البلدان العربية نجاحا هاما في مجال تعميم التعليم
وتطويره، وبلغت أهم المؤشرات الكمية المتعلقة بالتعليم درجات متقدمة[3] :
-
بلغ معدل
الالتحاق الإجمالي في مرحلة التعليم الأساسي في المنطقة العربية 95 % في سنة 2005 وبلغ معدل الالتحاق
الإجمالي في مرحلة التعليم الثانوي 88 % أما في التعليم العالي فقد بلغ في نفس السنة 21 %.
-
يتراوح حجم
الإنفاق على التعليم في الدول العربية كنسبة من الناتج القومي الإجمالي بين 1.3 % إلى 9.6 %.
ومن المؤكد أن
التطور الكمي لم يمُكّن من الاعتناء بالجودة والمردودية فبانت على هذه المنظومات
علامات الوهن وضعف النتائج مما جعلها لا تحتل مراتب متقدمة في التقييمات الدولية
كما تبينه نتائج تقييمات TIMSS لسنة 2007 بالنسبة إلى الرياضيات والعلوم والتي شاركت فيها مجموعة
من الدول العربية[4] :
الرياضيات
|
|
العلوم
|
||
البلد
|
المعدل
|
|
البلد
|
المعدل
|
تيوان
|
598
|
|
سنغافورة
|
567
|
سنغافورة
|
593
|
|
تيوان
|
561
|
هون كونغ
|
572
|
|
اليابان
|
554
|
المعدل العالمي
|
500
|
|
المعدل العالمي
|
500
|
لبنان
|
449
|
|
الأردن
|
482
|
الأردن
|
427
|
|
البحرين
|
467
|
تونس
|
420
|
|
تونس
|
445
|
البحرين
|
398
|
|
عمان
|
423
|
مصر
|
391
|
|
الكويت
|
418
|
الجزائر
|
387
|
|
لبنان
|
414
|
عمان
|
384
|
|
الجزائر
|
408
|
فلسطين
|
367
|
|
مصر
|
408
|
الكويت
|
354
|
|
فلسطين
|
404
|
العربية السعودية
|
329
|
|
العربية السعودية
|
403
|
قطر
|
307
|
|
قطر
|
319
|
ويعزى ضعف هذه النتائج إلى أهم العوامل التالية :
-
اعتماد منهجيات في التدريس تركز على الحفظ ولا تعد التلاميذ إلى تملك
كفايات التحليل والاعتماد على الذات والتخطيط وكل ما ينمي بناء الشخصية والتشبع
بقيم العمل
-
اعتماد بيداغوجية لا تجعل من التلميذ محور العملية التربوية والتعليمية
بالرغم من أن قوانين التربية والتعليم وكل مشاريع إصلاح منظومات التربية بالوطن
العربي تؤكد على ضرورة الاهتمام بالتلميذ وبناء الفعل التربوي من أجله ولصالحه
-
هيكلة إدارية تعتمد المركزية المفرطة ولا تمكّن المؤسسة التربوية من أيّ
هامش للمبادرة والتجديد
-
نقص في البنية التحتية وفي إطار التدريس في عديد البلدان مما توّلد عنه
اكتظاظ فصول الدراسة وضعف تعهد إطار
التدريس بالتكوين المستمر
-
غياب التقييم كممارسة تهدف إلى تقييم مردود المنظومة التربوية والمدرسة
والمناهج وإطار التدريس للوقوف على النقائص ومعالجتها
أما أنظمة التدريب المهني والتعليم التقني بالأقطار العربية فهي متنوعة
وتشتمل على عديد النماذج وتصعب مقارنتها ولكن يمكن استحضار ما جاء في التقرير
العربي الأول لمنظمة العمل العربية حول التشغيل والبطالة في الدول العربية. وخلاصة
ذلك أن كل البلدان العربية لها أنظمتها وتتميز بتشعب الجهات الرسمية المشرفة على
نظم التعليم التقني والتدريب المهني. كما تعرض التقرير لمسألة التمويل وبين أنه في
الأغلب عمومي من خزينة الدولة وأن دور القطاع الخاص لا زال محتشما ولا تتوفر له
فرص المنافسة مع القطاع العام الذي يوفر التدريب المهني مجانا.
وتتميز هذه الأنظمة بضعف نظم المعلومات حول سوق العمل والنقص في الارتباط
بين مؤسسات التدريب وسوق العمل. ولعل من أسوأ ما يعاني منه التدريب المهني نظرة
المجتمع له والتي بقيت تنظر له على أساس كونه مسلك الفاشلين في الحقل
الدراسي.
ومن ناحية النتائج لا يختلف الأمر بالنسبة للتدريب المهني عن التعليم حيث
تبقى جودة أداء منظومات التدريب المهني في البلدان العربية دون المأمول. ومنذ
سنوات شرعت دول عربية (تونس، المغرب، الإمارات العربية المتحدة، العربية السعودية)
في المشاركة في المباريات العالمية للمهن والتي كانت تعرف حتى سنة 1999 بأولمبياد
المهن والتي تنتظم كل سنتين. وخلال الدورة الأخيرة التي التئمت بكندا في شهر 9 من العام 2009 كانت نتائج
البلدان العربية ضعيفة حيث احتلت مراتب متأخرة من بين 46 دولة مشاركة كما يبينه الجدول الموالي :
البلد
|
الترتيب
|
عدد النقاط
|
العربية السعودية
|
39
|
469.00
|
تونس
|
40
|
466.60
|
المغرب
|
41
|
462.40
|
الإمارات العربية المتحدة
|
46
|
432.89
|
4. التوجيه المهني
تبدو أهمية التوجيه المهني من العناية الفائقة التي
توليها له الدول المتقدمة والأجهزة العالمية المتخصّصة في مجال الاقتصاد وإعداد
الموارد البشرية. ففي السنوات الأخيرة نلاحظ اهتماما متزايدا بهذا الموضوع الذي
خصصت له دراسات من قبل هياكل كبرى ومنظمات مثل البنك العالمي ومركزCEDFOP والوكالة الأوروبية للتدريب المهنيETF ومجموعة البلدان المنتمية لمنظمة التنمية
والتعاون الدولي التي تعرف بـ EOCD. ويستخلص من
جملة التقارير المنجزة عن طريق هذه المنظّمات ما يلي[3] :
- يلعب التوجيه المهني دورا رئيسيّا في تحقيق أهداف التعّلم
مدى الحياة والاندماج الاجتماعي وتحسين جدوى ومردوديّة سوق العمل والتنميّة
الاقتصادية
- يساعد على دعم التشغيلية وتحسين مردود منظومة التربية
والتدريب
- يساعد على تحسين استغلال آليات التشغيل والإدماج المهني
- تحقيق أكبر قدر ممكن من التوازن بين احتياجات الأفراد
واحتياجات سوق العمل.
التوجيه المهني هو مجموعة الأنشطة التي تساهم في :
- تقديم الإعلام الشامل والمحيّن باستمرار حول ما توفره
منظومات التربية والتعليم التقني والتدريب المهني والتعليم العالي من فرص لمواصلة
التعلم أو تغيير التوجه طبقا للطموحات الشخصية للأفراد ولميولاتهم
- مساعدة الأفراد، من جميع الأعمار وفي كل الفترات، على
إحكام اختيار مسارهم في مجال التعليم، أو التدريب المهني أو اقتحام سوق العمل وعلى
التصرف في مسارهم المهني
- تقديم الإعلام الشامل والمحيّن للأفراد والمشغلين حول
فرص العمل وآليات المساعدة على الاندماج
- تقديم خدمات للأفراد والمجموعات في أشكال تتلاءم مع احتياجاتهم
- توفير كل المعلومات التي تمت الإشارة إليها وجعلها في المتناول
بالطريقة الأقرب لمحتاجيها وفي الأوقات المناسبة
تاريخيا مثل علم النفس المادة الأهم التي ارتكز عليها التوجيه المهني ومثّلت
الحوارات الفردية والاختبارات النفسية الأدوات الرئيسية للتوجيه المهني أما التوجيه
المهني الحديث فإنه يعتمد، إلى جانب علم النفس (البسيكولوجيا)، على مجموعة من
المواد مثل علوم التربية وعلم الاجتماع واقتصاد العمل...
ولئن لا زالت المحاورات الفردية تمثل الأداة الأهم في
التوجيه المهني فإن الممارسات الحديثة تعتمد على جملة من الوسائل مثل مجموعات
النقاش، توفير المعلومة عن طريق المطبوعات والوسائل الرقمية، الدروس النظامية في
إطار المناهج المعتمدة، التجارب العملية المنظمة (فترات تدريب أو تمارين في مؤسسات
إنتاجية) كما يتم تقديم خدمات التوجيه المهني في أطر مختلفة كالمدارس ومراكز
التدريب والمعاهد والكليات وفي المراكز العمومية لخدمات العمل (عن طريق مكاتب
التشغيل) أو عن طريق مؤسسات خاصة تقدم خدمات الوساطة في التشغيل (انتقاء المرشحين
لعروض عمل،...)
ولا بد من الإشارة إلى ضرورة التفريق بين التوجيه المهني
وعمليات الانتقاء لوظيفة معينة فهنالك أوجه تشابه في الوسائل المستعملة بين
النشاطين لكنهما يختلفان من حيث الغايات والنتائج. ونبّين فيما يلي أهم هذه
الفوارق :
|
التوجيه
المهني
|
الانتقاء
|
دور المنتفع
بالخدمة
|
شريك في
العملية وهو ليس في حالة امتحان بقدر ما هو في حالة استطلاع للتعرف على مؤهلاته
|
في حالة
امتحان، عليه إثبات قدراته وكفايته بالنظر إلى وظيفة أو مجال عمل معين
|
الغاية
|
التعريف بما
يتوفر من:
-
فرص عمل وآليات الإدماج
-
إمكانيات مواصلة التعليم أو التدريب
-
الفرص المتاحة لتغيير المسار المهني
-
تشخيص قدرات الفرد بالنظر إلى متطلبات بعض الوظائف،...
|
من وجهة نظر
الفرد الحصول على الوظيفة المعروضة ومن وجهة نظر الجهة الموظفة الحصول على أفضل
مترشح تتوفر فيه شروط تأدية العمل المطلوب
|
النتيجة
|
حصول الوعي
والإدراك لدى المنتفع بمؤهلاته وبما يتناسب منها مع طموحاته والبدء في التخطيط
لإعداد مشروع مهني على المدى القصير والمتوسط على الأقل
|
النجاح أو
الفشل في الحصول على الوظيفة
|
ملامح أخصائي التوجيه المهني
تبين البحوث
الاختلاف الكبير في ملامح أخصائي التوجيه المهني وإن كان أغلبهم من حاملي شهادات
تعليم عالي في علم النفس إلا أن المسارات الموصلة إلى هذه الوظيفة تختلف من بلد
إلى آخر ومن مؤسسة إلى أخرى في نفس البلد.
الاختلاف الرئيسي يكمن في ملامح ومهام مرشدي التوجيه
بالنظر إلى انتمائهم إلى سلك التوجيه المدرسي والجامعي أو سلك المرشدين في مؤسسات
التشغيل. فالسلك الأول يضطلع بمهام إرشاد وتوجيه التلاميذ نحو شعب التعليم التي
توفرها المنظومة التربوية في التعليم الثانوي والتعليم العالي وفي بعض الأحيان نحو
شعب التدريب المهني. ويلاحظ عموما نقص في إلمام مرشدي التوجيه في التربية بمنظومة
التدريب المهني ويرجع سبب ذلك إلى الفجوة الموجودة في عديد البلدان بين التربية
والتدريب المهني. ومن خاصيات هذا السلك حصر مجال تدخله في مرحلة ما قبل نهاية
التعليم الثانوي.
السلك الثاني
يضطلع بمهام أشمل وذات علاقة بسوق العمل، ويعتبر مجال تدخله في مرحلة ما بعد
الدراسة. ووجود تجارب لمراكز للتوجيه المهني[4] بالمركبات الجامعية فهي
تهتم بالتوجيه في مراحل متقدمة من سن المنتفع بخدمة التوجيه وفي مرحلة ربما تكون
متأخرة نسبيا حيث يكون الطالب قد التحق، إما اختياريا أو قصريا، بمسار تعليمي معين
قد يٌضيّق من مجال الاختيار اللاحق.
الهياكل المتدخلة في التوجيه المهني :
تعتبر أجهزة
الدولة أهم متدخل في التوجيه المهني سواء كان ذلك بالمؤسسات التربوية أو بمؤسسات
التشغيل والتوظيف، لكن لمكونات المجتمع مسؤولية عن طريق المنظمات التي تعتني
بالشباب وبالتشغيل وبصفة عامة بالعمل الاجتماعي كما أن القطاع الخاص يمكن أن يكون
له دور في ذلك.
ويتمثل أهم دور
للدولة في مجال التوجيه المهني في توفير الإطار التشريعي للتوجيه المهني وتطوير
مواصفات الجودة وإنتاج المعلومات حول سوق العمل ومنظومة التربية والتدريب بما يتيح
لكافة المتدخلين وللعموم، بالتشاور مع الأطراف الاجتماعيين من نقابات العمال
وأرباب العمل، من الإلمام بكل ما يتعلق بهذا الموضوع وإعداد خطة إستراتيجية تهدف
إلى تقديم خدمة متميزة للأفراد وللمجتمع ككل. كما أنها مطالبة، بالنظر إلى
مسؤوليتها في مجال التربية والتدريب المهني والتعليم العالي، بتوفير ممهدات النجاح
من موارد بشرية مؤهلة وأطر استقبال وتوجيه وإرشاد طبقا لمواصفات هندسية مناسبة من
فضاءات استقبال مريحة تمٌكّن من القيام بالعمليات الفردية والجماعية في ظروف حسنة
وتتوفر بها الوسائل الحديثة، وحث المؤسسات المعنية بالتوجيه المهني على استعمال
تقنيات الاتصال والإعلام وتشجيع المبادرات في هذا المجال.
للتوجيه المهني كلفة وككل المجالات التي تتدخل فيها عديد
الجهات فإن تقدير هذه الكلفة غير متوفّر لكن يمكن الجزم أن كلفة عدم توفر توجيه
مهني أكبر بكثير، وللدلالة على ذلك تمكن الإشارة إلى ما نلاحظه من انعكاسات سلبية لعدم التوجيه أو للتوجيه غير المبكر
مثل تعدد الرسوب في سنوات الدراسة، الالتحاق بمسار التدريب المهني في سن متقدمة
نسبيا (بعد استيفاء حق الرسوب بالتعليم الإعدادي والثانوي)، نسب الهدر في التعليم
والتدريب المهني والتعليم العالي حيث ينقطع العديد من متابعي التدريب المهني خلال
السنة الأولى من التحاقهم بالتدريب ويعزى ذلك في أغلب الأحيان إلى اكتشافهم أن
المسلك الذي التحقوا به أو أٌلحقوا به لا يستجيب إلى طموحاتهم أو غير مطابق
لمؤهلاتهم. وعلى البلدان التي ترغب في تحسين مردودية وجدوى منظومة إعداد الموارد
البشرية أن تولي التوجيه المهني ما يستحقه من العناية وأن تمكنه من كل مسببات
النجاح في إطار إستراتيجية ورؤية شاملة تأخذ بعين الاعتبار كافة الجوانب باعتباره
من الآليات التي تساعد على تضييق الفجوة بين احتياجات سوق العمل ومخرجات التعليم والتدريب.
5.
دور التوجيه المهني في تضييق الفجوة بين احتياجات
سوق العمل ومخرجات التعليم والتدريب
من أهم الرهانات التي
تواجه الأمم اليوم رهان التشغيل. ويتمثل هذا الرهان في الحفاظ على مواطن العمل من
ناحية، وخلق مواطن عمل جديدة من ناحية أخرى. فكل البلدان مدعوة لا فقط إلى
المحافظة على الرصيد الحالي لمواطن العمل بل كذلك إلى تعزيز قدرتها على توفير
مواطن عمل جديدة، فضلا عن حسن الاستفادة من الفرص التي يتيحها الاقتصاد المعولم
علما أن عالم الإنتاج يتطوّر باستمرار وخريطة المهن تشهد تجدّدا متسارعا قد يفضي
إلى انحسار دائرة التشغيل إن لم يتم التهيؤ له بما يلزم على كلّ المستويات المعنيّة.
وفي مقدمة تحديات التشغيل يبقى تشغيل الشباب أو التّقليص من بطالة الشباب التحدي
الأكبر.
ويلاحظ
المتتبّع للتحوّلات التي تجدّ في عالم اليوم أن الأمم الأكثر وعيا بطبيعة هذا
الطور التاريخي تستعدّ لمجابهتها ورفع تحدّياتها المستقبلية بإعطاء الأولوية في
اهتماماتها للتربية والتدريب في علاقة بواقع سوق العمل. ولا يوجد بلد اليوم ليس
منشغلا بمراجعة جذرية لمنظومته التربوية بما فيها التدريب المهني ولغائياتها
ومناهجها ووسائلها. وبتسارع نسق العولمة، اكتشفت الأمم، أنّها
مهما بلغت من مراتب الرقي، تبقى في حاجة
إلى تأهيل نظامها التربوي باستمرار حتى يستجيب لمتطلبات عصر يحكمه التغيير المطرد
الذي لا يهدأ ولا يستقرّ فيه شيء على حال.
وتدلّ كل المؤشرات أيضا أن مستقبل
المؤسسة التربوية والمحافظة على توازن سوق العمل وتحسين جدواه سيشكّلان مجالا من
أهم مجالات التنافس بين الأمم المتسابقة، بل المتصارعة، من أجل احتلال المواقع
الفاعلة في العولمة وتحدّياتها الاقتصادية والثقافية وأن كلّ أمّة تفوّت على نفسها
فرصة تأهيل تعليمها ليستجيب أكثر لاحتياجات سوق العمل ستكون "أمّة في خطر".
فثروة الأمم أصبحت تقاس اليوم بمؤشرات جديدة يأتي في
طليعتها نوعيّة رأس مالها الفكري بشريا ونسقيا وقدرتها على التجديد والسبق المعرفي
والتكنولوجي.
فتجدّد
خارطة المهن والمهارات وتحوّل طبيعة العمل الذي بدأ يفقد بعده المادي لصالح طابعه
المعرفي والفكري بالتوازي مع تنامي اقتصاد المعرفة والاقتصاد اللامادي وما يتطلبه
من كفايات مستحدثة أدّت إلى طرح مسألة، إعداد الموارد البشريّة وفق معطيات وتمشيّات
ومعايير جديدة تختلف جوهريا عما تعودناه منذ الثورة الصناعيّة. فالثورة
التكنولوجيّة الحديثة تحتاج أفرادا قادرين على مجابهة مهام سريعة التغيّر ومواكبة
آنية لمهن جديدة لم يتدربوا عليها وعلى مجاراة حياة مهنيّة مرشحة للتحوّل المطّرد
وعلى تحسين مهاراتهم وكفاياتهم باستمرار، هذا فضلا عن القدرة على المبادرة وإيجاد
الحلول الوجيهة لكل وضع مستجد والاستعداد للتجديد والابتكار. فلم يعد اليوم من
معنى للمعرفة دون ربطها بالعمل ولا معنى للعمل ما لم تسنده معرفة محيّنة وتمكّن من
منطق التكنولوجيا الحديثة...
فهذه الكفايات تكتسب
مبكرا كما تكتسب على امتداد الحياة...وتكتسب في المدرسة وفي مراكز التدريب وفي
مواقع العمل. ومنظومة إعداد الموارد البشريّة وتأهيلها مطالبة اليوم باستنباط
لحلول الكفيلة بإكسابها للناشئة ومواصلة دعمها وتطويرها لدى العاملين في مواطن
العمل وعلى امتداد حياتهم المهنيّة...ولا يخفى ما يتطلب ذلك من مواكبة مستمرة
للتحوّلات واستشراف للمستقبل...
والتوجيه
المهني بما يوفره من فرص لتوعيّة الناشئة في سن مبكرة بواقع المسارات التعليمية
والاستعداد المبكر للحياة المهنية من ناحية ولارتباطه الوثيق بسوق العمل من ناحية
أخرى يمكن أن يكون حلقة ربط هامة ورئيسية في الملاءمة بين احتياجات سوق العمل
ومخرجات منظومة إعداد الموارد البشرية. ويتطلب ذلك التنسيق التام بين الهياكل
المتدخلة فيه من مصالح إدارية ومصالح توجيه بالمؤسسات التربوية ومصالح توجيه
بمكاتب ووكالات التشغيل وحتى مصالح التصرف في الموارد البشرية بالمؤسسات الإنتاجية.
كما أن دور الأطراف والاجتماعيين لا يقل أهمية عن أدوار بقية المتدخلين. لا يمكن
أن يؤدّي التوجيه والإرشاد المهني دوره على الوجه الأكمل دون استغلال كل
الإمكانيات المتاحة والسهر على تفعيلها في انسجام تام. وللبحث العلمي الميداني في
هذا المجال دور أيضا حيث يٌمكّن من المقارنة مع ما تقوم به الدول المتقدمة ويقدم
الحلول لتطوير منظومة وطنية متكاملة حديثة ومتجذرة في واقعها.
[1] Une guilde (autres orthographes :
gilde ou guilde), de l'ancien néerlandais
gilde, est un nom désignant au départ (XIe-XIVe
siècles) une assemblée de personnes pratiquant une activité commune, et dotée
de règles et privilèges précis.
[3] CEDEFOP : Politiques d’orientation dans la société de la
connaissance ; tendances, défis et réponses en Europe
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق